أنقر على الرسم البياني لتكبيره
بين آب/ أغسطس 2016 وأيلول/ سبتمبر 2018، تمكّن المصرف المركزي فعلاً - وكما يبشّر دائماً - من زيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية لديه من 40.73 مليار إلى 43.5 مليار دولار، أي بزيادة نحو 2.77 مليار دولار، بفضل الهندسات والعمليات الاستثنائية المستمرّة منذ ذلك الوقت، التي تقوم على منح أرباح وفوائد ضخمة في مقابل امتصاص العملة الصعبة من السوق. لكن نتيجة هذه الهندسات والعمليات الاستثنائية التي أدّت الى نموّ هذا الاحتياطي، ضُخّت سيولة بالليرة اللبنانية في السوق، ما أدّى إلى تضخيم الكتلة النقدية M3 بنحو 13.2 مليار دولار. وبالتالي، بينما يراجع اللبنانيون في نشرات الأخبار نموّ قيمة الاحتياطي «المُطمئنة» بفضل الهندسات «الاستباقية»، يغفلون عن تراجع نسبة الاحتياطي مقابل الكتلة النقدية بالليرة من 32 إلى 30%. فهل حقّقت السياسات التي ركّزت على مراكمة هذا الاحتياطي الأهداف الرسمية المُعلنة؟ وإذا أردنا مقارنة قيمة الاحتياطي مع مستوى الـ M1 للكتلة النقدية بالليرة، الذي يتضمّن الأموال المودعة غبّ الطلب والمتداولة وتشكّل مصدر الطلب الأكثر مرونة وسرعة، يمكن القول إن نسبة تغطية الاحتياطي لهذه الأموال انخفض خلال الفترة نفسها من 6.3 إلى 5.8 مرّات، وهو ما يؤشّر أيضاً على انخفاض فعالية هذا الاحتياطي بمعزل عن أرقام النموّ التي يُتداوَل بها.
وبمعزل عن عدم تطابق أهداف سياسة مراكمة الاحتياطي مع النتائج التي حقّقتها، لم تمرّ هذه السياسات من دون ترتيب كلفة باهظة على كلّ اللبنانيين، سواء من خلال الفوائد والأرباح الخيالية التي حازتها المصارف في مقابل الاشتراك في دورات الهندسات والعمليات الاستثنائية المتتالية، ومن بينها فوائد وأرباح فورية تحقّقت بمجرّد تنفيذ عمليات سريعة. وعبر إلقاء كلفة على اللبنانيّين من خلال مساهمة كل هذه العمليات في رفع الفوائد التي تتقاضاها المصارف من عمليات التسليف، خصوصاً في ظل توظيفها كميات معتبرة من سيولتها في عمليات مصرف لبنان.
أخيراً، يتعاطى الإعلام مع الاحتياطي من العملات الصعبة كما يتعاطى مع أي موجودات نملكها في مواجهة الأزمات. بينما هي الواقع احتياطات متأتّية من توظيفات مصرفية بالعملة الصعبة لدى مصرف لبنان، أي أنها ديون ومتوجّبات على مصرف لبنان بالدولار حتّى لو استعملها في عملياته في السوق. وفي كلّ الحالات، إن توظيفات المصارف الخاصّة لدى مصرف لبنان تتأتّى بدورها من ودائع خاصّة، وستكون بدورها عرضة للطلب والتحوّل خلال الفترات الحسّاسة.