أنقر على الرسم البياني لتكبيره
تقول المعلومات إن هذا الحديث انطلق من أن إلغاء دعم أسعار الكهرباء سيؤمِّن تخفيضاً في الإنفاق العام بما لا يقلّ عن 1.5 مليار دولار، إلّا أن هذا الإجراء مؤجّل بانتظار زيادة التغذية الكهربائية في ضوء تنفيذ الخطّة التي أقرّها مجلس الوزراء أخيراً، أي إن زيادة أسعار الكهرباء ستتمّ تدريجياً اعتباراً من العام المقبل ولن يتمّ التخلّص من الدعم المخصّص للكهرباء قبل 3 سنوات من الآن. في هذا الوقت، يجري التداول باقتراح وضعه فريق رئيس الحكومة، ويقضي بقصّ نحو 15% من الزيادات التي طرأت على سلسلة الرتب والرواتب، وتعليق تسديدها لمدّة 3 سنوات، على أن تعاد إلى أصحابها بعد إلغاء الدعم عن أسعار الكهرباء. وفي هذا السياق، ظهرت اقتراحات أخرى مماثلة، منها اقتراح يقضي بإلغاء بدل النقل المؤقّت والمِنَح التعليمية والتدابير الاستثنائية في الجيش والقوى الأمنية، واقتراح آخر يقضي بتخفيض معاشات التقاعد وحرمان بعض المستفيدين منها من أسر المتقاعدين.
تفيد المعلومات أن الاعتمادات التي تطلبها الوزارات (من دون الموازنات الملحقة) رفعت قيمة الإنفاق العام في موازنة عام 2019 إلى أكثر من 20 مليار دولار، وقد خفّضتها وزارة المال في مشروعها المرفوع إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء إلى 15.8 مليار دولار، بالإضافة إلى 1.6 مليار دولار كسلفة خزينة طويلة الأجل لمؤسّسة كهرباء لبنان، أي ما مجموعه 17.4 مليار دولار، أي أقل بنحو 2.5 مليار دولار ممّا تطلبه الوزارات للقيام بأعمالها وتأدية وظائفها وواجباتها تجاه المواطنين والموظّفين والدَّائنين.
يتبيّن من أرقام المشروع أن الفوائد على الدَّيْن العام تستأثر بنحو 32.3% من مجمل الإنفاق، في حين يستأثر دعم الكهرباء بنحو 9.5%، والرواتب والأجور ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية للعاملين في القطاع العام بنحو 35.9%، أي إن هذه البنود الثلاثة تستأثر وحدها بنحو 78% من مجمل الإنفاق العام. ولا يبقى سوى أقل من 8% من مجمل الإنفاق العام للاستثمار في البنية التحتية وصيانة التجهيزات والمرافق العامة، 14% لكل الإنفاق على تشغيل الدولة والإنفاق الاجتماعي والاقتصادي والإنفاق السياسي، أي إن هامش المناورة خارج بنود فوائد الدَّيْن العام والأجور ودعم الكهرباء والإنفاق الاستثماري ينحصر باعتمادات لا تتجاوز قيمتها 2.5 مليار دولار، وهي عُصرت في مشروع الموازنة إلى أقصى حدّ ممكن.
انطلاقاً من هذه البنية للإنفاق العام، تجري الآن المفاضلة بين خيار تخفيض كلفة الدَّيْن العام أو خيار تخفيض كلفة الأجور ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية، أي بمعنى، تجري المفاضلة بين مصالح الدَّائنين (ولا سيّما المصارف ومودعيها الكبار) وبين مصالح نحو 300 ألف أسرة تعيش من دخلها من العمل في القطاع العام.
قد لا يكون الخيار محسوماً، ولكن قوى وازنة في الحكومة ومجلس النواب تجاهر بميلها لتحميل الموظّفين وأسرهم كلفة تخفيض العجز، في حين أن قوى أخرى تطرح توزيع هذه الكلفة بين الموظّفين والدَّائنين، وكلا الخيارين سيئ، لأنهما يعمّقان اللامساواة في توزيع الثروة والدخل ويخفّضان القدرة الشرائية لشريحة واسعة من الأسر.