عملياً، ما يحصل هو أن المصارف تجري عمليات تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار إلى زبائن محظيين يُتاح لهم مضاعفة قيمة أموالهم بالحدّ الأدنى لأن مصرف لبنان يبيع هذه الدولارات بالسعر النظامي المحدّد من قِبله بقيمة 1507.5 ليرات وسطياً، ما يتيح لهؤلاء الزبائن الذين تختارهم المصارف وفق حساباتها الضيقة، وفي الغالب يكون الأمر من أجل إفادة كبار المودعين الذين يُسمح لهم بسحب الدولارات وفق السعر المحدّد للسحب في المنصة التي خلقها مصرف لبنان والتي ضاعفت سعر الدولار ليبلغ أخيراً 3850 ليرة لكل دولار.
وبحسب المعطيات المتداولة بين المصارف، فإن نحو سبعة مصارف تحصل على كامل الدولارات التي يضخّها مصرف لبنان. يقدّر بعض المصرفيين أن هناك نحو 300 مليون دولار يبيعها مصرف لبنان شهرياً لهذه المصارف المصنفّة ضمن فئة «ألفا»، بينما هناك مصارف صغيرة ومتوسطة لا تحصل على أي دولارات.
هناك علاقة واضحة وقوية بين ارتفاع سعر الصرف وبين تضخّم حجم النقد المتداوَل بالليرة
وفي مقابل ضخّ هذه الدولارات في شرايين المصارف، يقوم مصرف لبنان بسحب هذه الدولارات عبر ضخّ ليرات إضافية في السوق. ففي نهاية كانون الأول 2019، كانت قيمة النقد المتداول خارج مصرف لبنان نحو 9817 مليار ليرة، ثم ارتفعت إلى 16420 مليار ليرة، وبلغت في نهاية تموز 2020 نحو 20818 مليار ليرة. أي أن مصرف لبنان خلق نقداً إضافياً في السوق في الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية بقيمة 11001 مليار ليرة، بمعدل شهريّ يبلغ 1571 مليار ليرة.
هذا المسار قد ينطوي على شيء من الانتحار. فمصرف لبنان يعمل على طباعة النقد من أجل إطفاء الودائع بالدولارات من المصارف ومن ميزانيته كون هذه الأخيرة وظّفت لديه نحو 89 مليار دولار. إن إطفاء نصف هذا المبلغ يرتّب أثراً بالغاً على سعر صرف الليرة، فهناك علاقة واضحة وقوية بين ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية، وبين تضخّم حجم النقد المتداوَل بالليرة. هذه العلاقة هي تناقصية، أي إنه كلما ازداد حجم النقد في التداول كلما انخفضت قيمة الليرة وارتفعت قيمة الدولار.
وارتفاع نسبة الدولرة تزامناً مع انخفاض حجم الودائع وتضخّم الكتلة النقدية المتداوَلة بالليرة، يشير بوضوح إلى أن تسارع وتيرة طباعة العملة التي يمارسها مصرف لبنان بهدف إطفاء الدولارات التي يحملها في ميزانيته.