64
هو عدد الأسرّة الذي أُضيف أخيراً في العناية الفائقة بعدما كان 205 أسرّة في 13 تشرين الأول ثم ارتفع إلى 269 سريراً
في الواقع، مع انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، أي بعد ستة أشهر على الحالة الأولى المثبتة في لبنان، كانت نسبة الإصابات الحرجة قد بلغت 20% من القدرة الاستيعابية لأسرّة العناية الفائفة، إلّا أنه خلال الأيام الـ72 التالية، ارتفعت نسبة الإصابات الحرجة إلى 92% من القدرة الاستيعابية من دون أن تنتقل السلطة إلى وضع الإقفال مجدداً للسيطرة على مستوى الانتشار. لا بل ثمة ما ينبئى بخطورة الوضع أكثر، يتعلّق بكون نسب الإصابات في بعض المناطق كانت قد وصلت الى 100% من القدرة الاستيعابية مثل البقاع وعكار وذلك قبل ان تسارع وزارة الصحة لزيادة عدد الاسرّة، بينما هناك مناطق أخرى متّجهة في هذا المسار. والحال نفسه ينطبق على الأسرّة العادية.
فإذا بلغ لبنان مرحلة القدرة الاستيعابية الكاملة، وبمعزل عمّا يعنيه ذلك من كارثة إنسانية واجتماعية، فإن الكلفة الشهرية سترتفع إلى أكثر من 18 مليون دولار، أي بمعدل سنوي يبلغ 218 مليون دولار، وذلك على افتراض أن عدد الأسرّة لم يزدَد.
وبالإضافة إلى هذه الكلفة الاستشفائية المباشرة، يقدّر معهد باسل فليحان بأن تكون هناك أكلاف إضافية يتكبّدها أولئك المحجورون في المنازل. هذه الكلفة تشمل ثلاثة فحوصات PCR لكل شخص مصاب، ومستلزمات الحماية الشخصية. مجموع هذه العناصر كلّها يقدّر بنحو 500 دولار لكل شخص. لذا، إذا كان معدّل الإصابات التي تُحجر في المنازل 80% من عدد الإصابات الإجمالي بحسب منظمة الصحة العالميّة، فهذا يعني أنّ من أصل 61 ألف إصابة مثبتة حالياً في لبنان (يشمل الرقم عدد المتعافين، والوفيات، والذين هم على طريق التعافي)، فإن هناك 49 ألف إصابة ترتّب عليها، أو سيترتّب عليها، ما يمكن تسميته بـ«الكلفة المنزلية» والتي ستبلغ 24 مليون دولار وفق قاعدة الكلفة المحتسبة في المعهد. أمّا التزايد الهائل في الأعداد، فهو سيرفع الكلفة بالتناسب مع الزيادة في أعداد المصابين ومعدّل تضاعف الإصابات.
كل هذه الأكلاف ستزيد الضغط على الاقتصاد والنقد وعلى الخزينة العامة. ففي ظلّ زيادة استهلاك السلع الطبيّة المدعومة من أدوية ومستلزمات طبية وأدوات لوجستية وسواها، سيزداد نزف العملات الأجنبية بوتيرة أكبر. وسيتركّز عبء تداعيات جائحة «كورونا» على الجهات الضامنة وميزانياتها، من وزارة الصحة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة والصناديق العسكرية وصناديق التعاضد وشركات التأمين، بالإضافة إلى ما سيتحمّله المرضى وأسرهم من جيوبهم.
سترتفع كلفة استشفاء مرضى كورونا إلى 18 مليون دولار إذا بلغت نسبة إشغال الأسرّة 100% أو كامل طاقتها الاستيعابية
حالياً، تستعمل وزارة الصحّة قرضاً من البنك الدولي بقيمة 40 مليون دولار لتمويل كلفة الجائحة. بمعنى آخر، لا نزال نعتمد على قدرات خارجية لتمويل كلفة الجائحة المباشرة عبر الاستدانة، ما يثير سؤالاً عن الكلفة الحقيقية التي سيتكبّدها المجتمع عند نفاد قناة الاستدانة لتمويل هذه الكلفة والاعتماد على القدرات المحلية. معنى ذلك، أن هناك أعباء إضافية ستترتّب على العملات الأجنبية التي يملكها مصرف لبنان في حساباته الخارجية. فالقرض من البنك الدولي، صار على وشك النفاد والاستهلاك، وبالتالي فإن البحث عن مصدر تمويل آخر ليس سوى مهمّة شائكة في ظل الانهيار الذي يشهده لبنان مالياً ونقدياً ومصرفياً واقتصادياً وسياسياً. أما إذا استمرّ تضاعف عدد الإصابات بالفيروس بوتيرة مطّردة، كما يحصل حالياً، فالأمر سيكون كارثياً بكل معنى الكلمة. ففي المحصلة سيكون أثر الانهيار الصحي ثقيلاً فوق الانهيار الاقتصادي الحاصل أصلاً، وقد يدفع الأولويات نحو الإقفال الكامل مجدّداً، بينما الاقتصاد لا ليس قادراً على استيعاب هذا العبء. المفاضلة التي تحصل اليوم في لبنان، هي مفاضلة اختبرها العديد من الدول، وربما ما زال يختبرها، أي تحديد الأولويات: أولوية إنقاذ الاقتصاد والتضحية بالخسائر البشرية، أم أولوية إنقاذ ما يمكن من خسائر بشرية مهما تكن الكلفة الاقتصادية. الاختبار في لبنان أقسى وأشدّ وطأة بسبب الانهيار الاقتصادي.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا