رغم أثره الكبير في التيارات الموسيقيّة التي تلته، بقي عالمه مقفلاً بإحكام وبعيداً عن الجماهيريّة. ابن الحقبة الرومنطيقيّة، وازى شوبان في إنجازاته، لكنّه لم يدخل الأسطورة إلّا من باب قصّة الحب العاصفة التي جمعته بكلارا فيك. مارس النقد، وعشق الأدب، وانطبعت حياته بعذابات المرض الذي أفقده الصواب
بشير صفير
لم تكفِ المؤلف الألماني روبرت شومان لعنات الحياة الرومنطيقية، بين عذاب الحب والمرض والجنون والرحيل المبكر. إضافةً إلى كل ذلك، قدِّر له أن يولد في 1810 ويرحل في 1856، ما يضعه خارج دائرة الضوء في كل سنة تقع فيها ذكرى وفاته أو ولادته. شومان الذي يعدّ رمزاً أساسياً في الحقبة الرومنطيقية، ولد مع شوبان (1810 ـــــ 1849) ورحل بعد قرن من ولادة موزار (1756 ـــــ 1791). ويقال إنّ العالم احتفل بمئوية شوبان في 1910 وكاد أن ينسى زميله شومان. أما في 1956، فيكتب المؤرخون أنه جرى تجاهُل مئوية رحيل المؤلف الألماني كلياً بفعل الحدث الذي ملأ الدنيا وشغل الناس: المئوية الثانية لولادة موزار. كذلك حدث هذا في 2006 وهذه السنة أيضاً.
إذاً، 2010 ليست سوى هزيمة إضافية، قد تضاف إلى قائمة طويلة من الهزائم. هذه السنة حلّت عالمياً وبقوة الذكرى المئوية الثانية لولادة شوبان. أما شومان، فنسيه الجميع باستثناء بعض مبادرات التكريم المتفرقة، وخصوصاً في ألمانيا. لكن قد يكون الأهم هو محاولة الإجابة عن السؤال التالي: لماذا؟
بالنسبة إلى ذكرى رحيله، فالهزيمة أمام موزار مبرّرة دائماً. إذ إنّ الأخير عضو في الثالوث الموسيقي الأقدس، الذي يضمّ إلى جانبه بيتهوفن وباخ. أما في ما يخص ذكرى ولادته، فالأمر مختلف. فشومان ليس أقل شأناً من شوبان. وليس من حقبة بعيدة عن حقبة المؤلف البولوني كي لا تجوز المقارنة. لا بل إنّ لشومان ميزات كثيرة تجعله متقدماً على شوبان.
فالأول أكثر تنوعاً من الثاني، إذ ترك أعمالاً في كل الأشكال الموسيقية، من البيانو المنفرد إلى موسيقى الحجرة والموسيقى الأوركسترالية والأعمال الغنائية وغيرها. أما شوبان، فوضع جهداً مركّزاً على البيانو المنفرد، ومؤلفاته التي تخرج عن هذا الإطار قليلة، ومعظمها ليست ذات قيمة تذكر.
Piano Concerto in A minor, Op. 54- Allegro affettuoso - Andante espressivo - Allegro
Symphony No. 4 in D minor, Op. 120- Scherzo - Lebhaft - Trio - Etwas zuruckhaltend
لذا، لا نجد «جمهوراً» لشومان إلا في أوساط المستمعين الجديّين أو الموسيقيّين. تكرار هذا التغييب طرح علامات استفهام عديدة، وخصوصاً خلال العام الحالي، لكن بشكل هامشي لم يتعدَّ الاستغراب!
ولد روبرت شومان لعائلة ألمانية ميسورة. أظهر ميلاً إلى الأدب والفلسفة والشعر، وكان من أهم المطّلعين على الأدب الألماني خصوصاً، والمتابعين للنتاج المعاصر في هذا السياق. تابع في البداية دروساً في المحاماة قبل أن يحسم خياره بين هذه المهنة والموسيقى، بعدما حضر حفلة لـ «شيطان» الكمان، باغانيني. بدأ شومان دراسة البيانو صغيراً، ومثّل اختياره لأستاذ الموسيقى
ترك أعمالاً متنوعة من البيانو المنفرد إلى موسيقى الحجرة والموسيقى الأوركسترالية والمؤلفات الغنائيّة
sonata for violin and piano no. 1 in a minor, 1st movement
Clara Schuman: Romance for piano in A minor
لكن من هو صاحب برج الجوزاء هذا؟ هل هو النسخة الأقل كلاسيكيّة من مندلسون؟ أو الأقل نغميّة من شوبان؟ أو الأقل إثارة للشفقة من شوبرت؟ أو الأقل تمرداً من بيتهوفن؟... إنّه بالتأكيد أكثر غموضاًً منهم جميعاً.