من هناك مرّ مختلف أدباء الجزائر ورسّاموها، وسينمائيوها وصحافيّوها أمثال: رشيد بوجدرة، وكريستيان شوليه عاشور، ومالك علولة، ومايسة باي، وأنور بن مالك، ووسيلة تامزالي، واحميده العياشي، وشوقي عماري، وسارة حيدر، وعدلان مدي، وبشير مفتي، وسفيان حجاج، وحميد عبد القادر، والقائمة طويلة.
لكن اليوم، بعدما ضاقت السّبل، فإنّ «فضاء النون» يفكّر في الرحيل! إلى أين؟ لا أحد يعرف، ولكن الأكيد أنّ الجزائر العاصمة ستندم، وستفتقد، وتحنّ إلى مقام مثل «فضاء النون»، كما ندمت وافتقدت ضياع مقامات مماثلة، على غرار «مقهى اللوتس» سابقاً، الذي كان يمثّل نقطة التقاء المثقفين والصيادين في آن واحد. وأيضاً فضاء اتحاد الكتّاب الجزائريين في شارع ديدوش مراد، الذي امّحى فجأةً، تحت أرجل المتنازعين على كرسيّ رئاسة الاتحاد.
اليوم، يكاد الفعل الثقافي في الجزائر العاصمة، يُحتضَر لولا بعض المبادرات الفردية في معظمها، والمحاولات الاستثنائية التي تهدف إلى تحريك السكون، على غرار مبادرة تأسيس مقهى«جزيرة الأدب» من جانب سيد علي صخري، صاحب مكتبة ومنشورات Mille Feuilles. في المدينة التي ما زالت تتجرّع ترسّبات سنوات التسعينيّات بعنفها ودمويتها، واتساع الأصولية، يحاول صخري منح العاصمة جرعة أوكسجين ثقافيّة. إذ ينظّم يوميّاً، ندوات ولقاءات فكرية عن مواضيع مختلفة، تراهن على الانفتاح على مختلف الآراء والميول،
إغلاق «فضاء النون»: المدينة ضاقت بالثقافة التي تهاجر إلى الـ«فايسبوك»
صحيح أنّ الجزائر العاصمة لا تمتلك تقاليد، ولا طقوساً في تنشيط الفضاءات الثقافية العامة، على غرار التجارب المميزة والقيّمة التي نلمسها مثلاً في بيروت، أو في الدار البيضاء. مع ذلك، فإنّ بعض المحاولات الشخصية، مثل مبادرة فضاء «مكتبة نبوز» أو «فنجان قهوة»، تبقى رهينة ميول شخصية وتحتاج إلى كثير من الصبر، والثقة في النفس، والإيمان بالمشروع، والتحلّي بروح المسؤولية، بغية الإسهام في بعث حركية ثقافية حقيقية، في العاصمة الجزائرية. هنا حيث تبقى فئة المثقفين تفتقد فضاءات تعبّر من خلالها عن همومها، باستثناء حافَات الأرصفة، أو كراسي مقاهٍ تغلق معظمها أبوابها قبل الثامنة مساءً، أو حانات تكتظ بالزبائن بسبب تواصل إغلاق الحانات. ما دفع كثيرين إلى البحث عن فضاء أرحب للتواصل تمثّل في الـ «فايسبوك» مثلاً الذي تحوّل إلى قاعة تحرير، ومصبّ مكبوتات، ووجهة للحدّ من حالة الضجر الروتينيّة!