يقع العمل في ثلاثة فصول هي: «شهادات عن الراحل»، و«حوارات معه»، و«من كتاباته»، تسبقها توطئة توضح أهمية هذا الإصدار. ويعبّر مقطع فيها عن الأسى الذي أحاط برحيل مثقّف عاد من المنفى الى بلاده ليشتغل فيها بإخلاص. إذ جاء: «العودة المحمّلة بالأحلام الى الوطن لم يتسنّ لها أن تؤسّس لوجودها الجديد، ولا سيما في تسلّمها دوراً ثقافيّاً في وزارة الثقافة. دور بدا للبعض أنّه سيستعيد من خلاله مجد المثقف اليساريّ الذي يحمل لواء التقدّم».
احتوى الفصل الأوّل على مقالات كُتبت عنه استنكاراً لاغتياله المروّع في بغداد قبل عامين، منها مقالات لعبد الجبار الرفاعي، وفالح عبد الجبار، وسيّار الجميل، وشوقي عبد الأمير، ولطفية الدليمي، ونوفل أبو رغيف، وعلي الشوك، ورشيد الخيون، وعبد الزهرة زكي، ولؤي عبد الإله وجمال العتابي.
يشير المفكّر عبد الجبار الرفاعي في مقاله «متصوف خارج الأديان» الى أنّ «شياع اعتكف بعيداً عن ضجيج الحياة، لتأديب نفسه وتنمية ضميره ومعنوياته، مثلما يفعل المرتاضون من المتصوفة والعرفاء والرهبان». فيما يورد عالم الاجتماع فالح عبد الجبار «لعلّ الرصاصة الأوّلى سحقت تلك الحجيرات العامرة بقراءاته في الفلسفة، ولعلّ الثانية محقت حجيرات الذاكرة الأسريّة، حيث زوجته البلجيكيّة وابنه البكر، ولعل الثالثة أزالت موقع الذاكرة عن الموسيقى ووجوه الأصدقاء».
تسليم النفس للنهاية... ليس استسلاماً (ك. ش.)
اشتمل الفصل الثاني على حوارين مع الراحل، أحدهما للإعلاميّ مازن لطيف علي يتحدث فيه شياع عن دور المثقف كمروّج لرؤية إنسانيّة منفتحة على العالم. إذ يقول: «الكتابة والتفكير والبحث كلّها مجالات مستقلّة عن المصالح السياسيّة الآنيّة وعن المعرفة التقليديّة المختصّة بدراسة أصول الكلام والفقه والشريعة». ويركّز شياع في الحوار الثاني الذي أجراه معه كاتب هذه السطور، على منظمات المجتمع المدنيّ وتأثيرها في بلورة الوعي العام.
القسم الأخير يحفل بمقالات نشرها الراحل بين الحين والآخر. في مقاله «عودة من المنفى»، نشعر أنّه استشرف نهايته: «أجد نفسي مطمئناً عادة لأنني حين وطئت هذا البلد الحزين، سلّمت نفسي لحكم القدر بقناعة ورضى. منذ سنوات وأنا أعتقد، ربما بعد قراءة جان بودريار، بأنّ النهاية حاصلة في الحاضر. إنّها تلازمنا في كلّ لحظة نعيشها. غير أنّ تسليم النفس للنهاية... ليس استسلاماً».