وسام كنعان
استطاع «باب الحارة» في جزئه الرابع أن يكرّر مشهداً ألفه الشارع السوري في أجزائه الثلاثة السابقة. سيهرول الكثير من مشاهدي الوطن العربي إلى منازلهم قبل العاشرة مساءً موعد بث أحداث الحلقة الجديدة من المسلسل الذي تعرضه mbc. لكنها هذا العام آثرت بيعه لمحطة «المنار» الأرضية والتلفزيون السوري، إضافة إلى قناة «الدنيا» التي أشيع أنّ وساطات رفيعة المستوى تدخّلت لدى مالكي mbc حتى استطاعت المحطة السورية شراء العمل، والإعلان عن عرضه قبل رمضان بساعات معدودة.
إذاً نجح المخرج بسام الملا مع فريق عمله في حبس أنفاس المشاهدين الذين تجمعوا أمام شاشات التلفزيون في الطرق العامة والمقاهي، وهم ينتظرون العكيد الجديد (أبو حاتم) يكظم غيظه أمام حركة «زوم إن» من الكاميرا ويردّد بعد حصار فرنسا للحارة ــــ وقد دام أياماً طويلة ــــ «الفرنساوي ناويلو شي نية». ويزيد الطين بلة تعليق رجال الحارة من حوله «إي والله!». كما سيتمتّع المشاهدون برؤية دلع نسوة الحارة بعدما كشفن عن وجوههن، ودخلن مع الرجال في رحلة نضال ضد المستعمر الفرنساوي! وصرن يجالسن الرجال بمناسبة ومن دونها، في رغبة صناع العمل الواضحة بالرد على الانتقادات الشديدة التي وُجِّهت لهم في ما يخص طريقة إظهار المرأة في أجزاء «الحارة» السابقة. بينما يتلذذ أعداء العكيد أبو شهاب (سامر المصري) وينعمون بغيابه، بعدما تحوّل الأخير عدوّاً حقيقياً للملا وبعض مساعديه، فاستبعدوه من المسلسل وعلّقوا مصيره في العمل واستفردوا بزوجته (شريفة) لنراها في الجزء الرابع تبكي مجد زوجها البائد. ليس ذلك فحسب، بل ستجهض ابنه الذي حملته في بطنها حتى لا يبقى من أثره شيء إلا على هوى الملا!
هكذا سيسير الجزء الرابع من العمل الأكثر جماهيرية في تاريخ الدراما السورية بما لا يتقاطع مع الشرط الفني لتسلسل أحداث دراما الأجزاء وتصاعدها. بل سيتقاطع ببساطة شديدة مع مزاجية صنّاعه، وربما يبدو مشهد تجمهر المشاهدين أمام شاشات التلفزيون شبيهاً بتزاحم جمهور «السميعة» على عربات بيع الكاسيتات لمشاهدة المغنية الشعبية سارية السواس. هكذا تجاوزت رحلة العمل ما يفوق النصف من دون وقوع أي حدث يذكر. الجزء الرابع من العمل الشامي يبدو متخبطاً لا يعرف إلامَ ينتمي، إلى الحكاية الشعبية الصالحة لأن تكون مسلسلاً خفيفاً كما كان عليه في أجزائه السابقة، أم إلى التاريخ الملحمي وقصة نضال شعب يواجه الاستعمار من دون مرجعية موثقة تظهر هذا التاريخ الحقيقي وبلا مبالغات فانتازية. ضمن كل هذا، لن يكون غريباً أن تصطاد أم جوزيف (منى واصف) الجنود الفرنسيين كل ليلة بجهد أقلّ من جهدها في شرب كأس ماء. وسيهبط مأمون بيك (فايز قزق) على حارة الضبع ليسامر أهل الحارة، ويسكن في بيت عمه الزعيم الراحل (أبو صالح). في وقت يخطط رجال الحارة الملتحقون بثوّار الغوطة لتحرير أحد رجالهم من سجن القلعة الذي وقع فيه أسيراً، من دون أن يخطر في بالهم العكيد أبو شهاب ولو بسؤال عابر عنه، رغم أنهم وصلوا إلى أحد موظفي السجن.
يتناول تاريخ دمشق بذاكرة افتراضية تعتمد المتاجرة لا التوثيق
22:30 على «المنار»
22:00 على mbc1
مليكة أوفقير ملهمة «الحارة»
بدا كمال مرة كاتب الجزء الرابع من «باب الحارة» متأثراً برواية «السجينة» لمليكة أوفقير (الصورة) التي حكت فيها تجربتها عندما حفرت نفقاً بالشوك والسكاكين لتهرب هي وإخوتها من السجن. بعدما اكتشفت فرنسا أمر قنوات جر المياه التي كانت ملاذ حارة الضبع لخرق الحصار، لجأ رجال الحارة إلى حفر سرداب أسطوري يصل بين حارتين وبسرعة خيالية لا يتصورها عقل، فانهار الحصار عند أعتاب الرجال، وتواصل الثوار مع عائلاتهم من دون أن تكتشف الجيوش المرابطة في الحارة أي شيء. ربما ذلك جعل الجمهور السوري واثقاً بأنّ رؤية بسام الملا ستجعله هذه المرة يحتفل بعيد الجلاء بالتزامن مع عيد الفطر موعد عرض آخر حلقات باب الحارة!