قصائد تحدث في المعاجم واللغة والتخييل البلاغي
يجد هذا الشعر موضعاً صغيراً وقصيّاً في ذائقتك الميَّالة إلى النثر أو إلى تفعيلة مهاجرة إلى النثر اليومي كما هي الحال في نتاج سعدي يوسف ومحمود درويش. تزداد ملاحظاتك كلما تقدمت في القراءة، لكن عليك أن تتقبَّل ذلك على أساس أن التفعيلة التقليدية غالباً ما تكون مصحوبة بهذا النوع من الملاحظات. تضع ذلك جانباً، وتستسلم لنبرة الشاعر الذي ينحو إلى لغة إلقائية ومنبرية. مردُّ ذلك أن الوزن غالباً ما يكون طافياً على سطح الجملة، ويكون صوت التفعيلات بمستوى حضور المعنى أو أعلى منه. لا تبدو النبرة عالية وصاخبة، لكنّ طريقة تأليف الجملة وتسلسلها النحوي والإيقاعي يجعلها كذلك. هناك رغبة واستعداد لدى الشاعر لجعل اللغة تتغذى على الفصاحة والجزالة. المشكلة أن هذه اللغة هائمة أحياناً: «كيف أعبرُ هذا المدى/ والمراكب راسيةٌ/ مثل نوم المساء/ على ضفة المستحيل». الصورة هنا لا تمسِّكنا معنىً ملموساً.
في المقابل، نجد مقاطع أخرى يظل المعنى فيها واضحاً وملموساً رغم احتفاظ اللغة بمعظم عتادها المنبري، كما هي الحال في قصيدة «الذئب» المكتوبة بدفقة أسلوبية واحدة وصافية: «لا وقت أمام الوقت/ لغيرِ حراسة باب الموتْ/ أتذكرُ أني في ليلة ميلادي/ حاولتُ خداع الوقت/ فلم أصرخ كي لا يمسكَ بي/ من عنق الصوتْ/ وغفوتُ/ لكنَّ الوقت الكامن مثل الذئب/ تصيَّدني في شهقة أمي/ حين صحوتْ». على أي حال، الوقت حاضر بطرق متعددة في المجموعة. صاحب «عزف على قبر لارا» مشغول بتأمل فكرة الزوال والموت والانبعاث وتحويلها إلى فلسفة وخلاصات شعرية شخصية. ثمة عناصر دينية وماورائية تتسلل إلى القصائد، كما في القصيدة الأخيرة من المجموعة: «فليأخذ الله راحته حين ألقاه/ لستُ أفكر في عودةٍ ثانيه/ كتب الناس أقدارهم/ وكتبتُ حروفي على صفحةٍ عاريه».