![](/sites/default/files/old/images/p18_20090515_pic2_0.jpg)
الشعر، بهذا المعنى، يصبح عملاً بدوام كامل. الشاعر لا يتراخى في الكتابة، ويفترض قارئاً لا يتراخى في التلقّي. في أحد المقاطع، يكتب الشاعر جزءاً من «وصفة» الكتابة التي يحبِّذها: «أعرف من تبرُّج الحجر إرثاً سافر التقاليد، ومن عتيقِ الشعر الشاعرَ المسبوقَ دائماً بالإنشاءِ غير مبالٍ بالعمقِ المحسَّن للنص مبتهجاً بأنه طافٍ. هذا الشاعرُ هو نسيمٌ منزوع الهبوب». نزع الهبوب من النسيم يشبه ما نقوله عن الطعام الخالي من الدسم. الدسامة، على أي حال، قد تكون صفة لائقة بكتابة يبالي صاحبها بـ«العمق المحسّن». وهي صفة تنتقل عدواها إلى عناوين القصائد أيضاً، كما هي الحال في عناوين مثل: «حجارةٌ يدوم سرورها» و«المنابر تعدّدُ مناقبَ صوتكِ» و«إبقي ساهرةً أيتها الزينة». القصد أن العناوين محكومة بمعجم القصائد إلى حد أن بعضها يصلح سطراً أو استعارة داخل القصائد. الشاعر يُرينا خصوبة هذا المعجم وثراء مفرداته.
«أيها السطح ضعْ العمقَ شرطاً يسطع»، يقول في قصيدة بعنوان «الوقاية من حريرٍ غير معبَّدة نعومتهُ». هذا أيضاً تعريفٌ لما يفضِّله الشاعر في الكتابة. هدفٌ كهذا يستدعي تقنياتٍ وحِيَلاً وألاعيب لغوية عديدة. الانزياح حاضر بكثافة هنا، إذْ كثيراً ما يقترح الشاعر معانيَ بديلة أو إضافية للمفردات. لا يُفاجئ القارئ بتركيبات لغوية مثل: «ها هم رُعاع الكتابة قادرون على جعل الجناح السفيه يرفرف» أو «العراء يربي شساعته» أو «صوتكَ كالبذار جُلُّ أمانيه الخُضرة». الانزياح يورِّط اللغة في نوع من السريالية الخفيفة أيضاً، فنقرأ صوراً مثل: «لا تنظر إلى الزهرة بنظرةٍ بدينة/ سرْ مع نحولها» أو «رجالٌ كالحصرم ضاعوا من أجل العنب».
يذكرنا البزاز بسليم بركات. هذا لا يقلل من شأن تجربته الشابة، لكنّ الدسامة المعجمية والتدفق اللغوي والاستعارات الغزيرة تحيلنا إلى «فنٌّ شعري» ممهورٍ بإمضاء الساحر الكردي الكبير.