امتلأ اللقاء بلغة مذهبية دأبت القناة القطرية على التسويق لهاغاب منصور عن المشهد هذه المرة، وحضر مكانه أدهم أبو الحسام، مراسل الشاشة القطرية والمواكب ميدانياً لتحركات جبهة «فتح الشام». بدا النصف ساعة تقريباً التي ظهر فيها الجولاني مركزة على هدف واحد: الهجوم على الأمم المتحدة وأميركا، في الدرجة الأولى، وعلى الاتفاق الأميركي-الروسي الأخير الذي استثنيت منه هذه الجبهة. طيلة هذه الإطلالة الاستثنائية التي اندرجت ضمن «لقاء خاص» وفق القناة، لم يكن أبو الحسام بمثابة صحافي أو محاور على الأقل. كان يسأل طيلة الوقت ويقولب هذه الأسئلة على قياس هذه الجبهة، بما يمهّد لإجابات الجولاني. جاور المراسل أمير «فتح الشام» في مساحة ضيقة نسبياً، ولم يلاحظ في هذه المقابلة أي طقس لخلع الأحذية على خلاف الإطلالة السابقة. طيلة الوقت، كان ينادي ضيفه بـ «أبو محمد» للدلالة على العلاقة الوديّة بين الرجلين.
إذاً، جاءت المقابلة بمثابة فتح الهواء لشخصية تحتاج الى صوت إعلامي ومنبر تطل عبره. ومن الأجدر من قناة «الجزيرة» للقيام بهذه المهمة؟ أن تتحول الى بوق لهذه الجماعات، خصوصاً «النصرة» سابقاً، وتعمل جاهدة على تظهير الجوانب «الجهادية»، و«الإنسانية» كما حصل في هذا اللقاء؟ تركزت هذه المقابلة على سياسة «التجويع والحصار التي يقوم بها النظام السوري». كما كان لافتاً الهجوم على الولايات المتحدة الأميركية و«تواطئها مع النظام السوري»، ومساهمة الأمم المتحدة في تسهيل «تقدم الميليشيات الرافضية» في حلب. واتهم الجولاني أميركا باستهداف «غرفة عمليات جيش الفتح» أخيراً. طبعاً، لم يخلُ هذا اللقاء من استخدام للغة المذهبية والأوصاف المقيتة التي عملت «الجزيرة» على إعادة إنتاجها والتسويق لها على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف جذب الجماهير المتعطشة والمتماهية مع هذا الخطاب الدنيء.
لعلّ المقطع الأكثر سخرية كان قبيل الختام، عندما باح الجولاني بتصوّره لـ «بلاد الشام» وما ستكون عليه بعد «التحرير»، من إقامة «نظام اقتصادي واحد»، ومراعاة «الصرف النقدي»، محاربة البطالة، والأهم العمل على إنشاء جيل «لا يجيد النهب والسلب»! فقد تحسّر كثيراً على الجيل الذي سيخرج بعد 10 سنوات، وما سيكون عليه من مصير!
في المحصلة، لم يستجدّ شيء في سياسة «الجزيرة» من فتح هوائها لقيادات التنظيمات الإرهابية، والتعمية على أفعالها وارتكاباتها الشنيعة. ظهر الجولاني مرة أخرى، كاشفاً عن وجهه وناسجاً علاقة ودّ مع المراسل. مقابلة النصف ساعة ربما أتت أوكلها وكانت من جديد منبراً حربياً دعائياً لجبهة «فتح الشام».