«سيّد نفسه» نجح شكلاً ومضموناً في إعلاء سقف المنافسة التلفزيونية
وعلى رغم الظلم الواقع على الأطفال الذين طرحوا أسئلة تفوق أعمارهم وخيالهم، وإقحامهم في دهاليز سياسية (وطائفية) ليس لهم يد فيها، الا أنّ «دق الجرس» شكل لجميع هؤلاء الضيوف، منبراً ترويجياً، ومساحة للإحاطة بجوانب حياتهم السياسية والشخصية، عدا كمّ التقارير التي تعرّف عنهم، وعن مسيرتهم السياسية، وجلّها يقع في موقع التفخيم.
الحريري الذي حلّ ضيفاً أول على «دق الجرس»، شاهدناه قبل أسبوع في برنامج مستحدث على lbci. «لوين واصلين؟» (منتج سلام الزعتري وديما صادق) أثار زوبعة على مواقع التواصل الاجتماعي لدى طرح الإعلان الترويجي له، ودخل في لعبة الاتهام بالسرقة. هو برنامج مستوحى من النسخة العالمية لـ karaoke carpool، يقوم على استضافة شخصية معروفة، تجول في السيارة برفقة المذيع. وفي نسخة lbci، ينضم إليهما ضيف ثالث، ليتشعّب النقاش داخل العربة. في الحلقة الأولى، بدا غياب الانسجام بين الطرفين (صادق/ الحريري). ضمن 20 دقيقة فقط، (وقت الحلقة)، لم تنجح المقدمة اللبنانية، في دخول لعبة البرنامج، حتى أنها تطرقت لأسئلة غريبة على شاكلة: أي تجربة كانت أصعب: «القمصان السود» أو ما أسمته «تجربة برا لبنان في السعودية»، مع تغييب للحدث الأساس: احتجازه هناك. كان لافتاً دخول وليد جابر، المصروف تعسفاً من قناة «المستقبل» إلى السيارة. وعلى رغم تعبيره عن غضبه وغضب كثيرين من أصحاب الحقوق هناك، إلا أن إجابات الحريري أتت ملتبسة، ومضحكة، وحتى طريقة الحوار كانت غير موفقة، في جلوس جابر في المقعد الخلفي، من دون أن يكون هناك نقاش جدّي ومفيد بين الأطراف. أما الحلقة التي بثت في الأسبوع التالي، واستضافت رئيس «تيار التوحيد العربي» وئام وهاب، فبدت أكثر سلاسةً وعفوية نظراً لطبيعة شخصية وهاب، وتشكيله حيثية تلفزيونية جذابة. طبعاً، «لوين واصلين؟» الذي عرض في الأسبوعين الماضيين، تبعه برنامج أطلقته المحطة أيضاً هو «تحصيل حاصل» (منتج منفذ: رولا سعد، إخراج: رواد ضوّ). جاء العملان بهدف تعبئة فراغ غياب البرنامج الأشهر على شاشتها «كلام الناس»، بعد مغادرة مارسيل غانم إلى mtv. برنامجان في أوقات متتالية طرحتهما «المؤسسة اللبنانية للإرسال» دفعة واحدة، يدخلان مباشرة في صلب الانتخابات النيابية. جازف الكوميدي هشام حداد، في تولي دفة تقديم «تحصيل حاصل» (1:34)، القائم على استضافة جمهور الأحزاب من دائرة انتخابية محددة، إلى جانب شخصيات حزبية وناشطة. مهمة لم تكن سهلة على حداد المعروف في مجال الكوميديا، وفنون السخرية والإضحاك. وعلى رغم إدارة حداد للحوار والنقاش داخل الأستديو بنباهة عالية، والتقاط النقاط الساخنة من الحوار ومعرفة كيفية توزيعها على الضيوف في الحلقة الأولى (آتين من دائرة الشمال)، إلا أنه لم يستطع أن ينجح في هذه التجربة، فالبرنامج ذو طابع جدّي بشكل أساسي، يتعلق بالمعركة الانتخابية. عدا شبهه القريب بالحلقات الخاصة التي قدمها غانم في «كلام الناس» قبل سنوات، وشكلت منبراً للشباب كحلقة «شوف الفرق وما تفرق»، كان لافتاً تمرير «تحصيل حاصل» رسائل سياسية واضحة، لا سيّما في المقدمة التي تلاها الكوميدي اللبناني. أتى مضمونها مسبوكاً، يوجه سهامه باتجاهات عدّة كقضية التحالفات الانتخابية الهشة، وقانون الانتخاب الذي يظهر شيئاً ويخفي أشياء أخرى، وغياب المشاريع السياسية، إلى جانب «تورّط» حداد في أماكن عدة، في تمرير رسائله الخاصة، كالهجوم على وزير الخارجية جبران باسيل. الحلقة الثانية من البرنامج، كانت حامية إن صح التعبير. استضافت وجوه وممثلي/ ات الأحزاب في دائرة البقاع، حيث المعركة على أشدّها. ساعد التنوّع داخل الاستديو في تعزيز تبادل وجهات النظر، ولو علت الأصوات والصراخ في كثير من الأحيان.
إذاً، تغيير في أنماط الحوارات المتلفزة، والتفنّن في كيفية إظهار الضيف، مرة في «مشوار» في السيارة، ومرات في أحضان الطبيعة، أو الملاعب الرياضية، أو حتى المصانع. هذا ما شاهدناه في «سيّد نفسه» الذي أثبتت فيه سمر أبو خليل مجدداً مهاراتها في إدارة الحوار، والاستفزاز وطرح الأسئلة الصعبة والجدلية، وتمريرها بين الضحك والجدّ لضيفها. حلقات أسبوعية استضافت جوهاً مختلفة: شامل روكز، عبد الرحيم مراد، سامي الجميل، نعمة إفرام. صحيح أن كسر النمط الكلاسيكي للبرامج السياسية عامل يقع ضمن رؤية البرنامج الإخراجية، إذ يعتمد على إظهار الضيف في حياته اليومية، واهتماماته (لاعب كرة قدم/ الجميل ــ راعي أغنام/ مراد ـــ صاحب مصانع/ إفرام...)، ويشكل مساحة ترويجية يظهر بها الضيف بصورة قريبة من الناس، لكنه في المقابل، لا يتركه يغرّد على ليلاه. تبرع أبو خليل أكان في حياكة مقدمة الحلقة، أو في الحوار، بتمرير الأسئلة المهنية اللازمة لضيفها. تعمد إلى مواجهته وأحياناً بطريقة قاسية، إفساحاً منها في المجال لإعطائه المساحة للرد على إشكاليات اعترت مسيرته السياسية. مع هذا التوازن الذي يقيمه «سيدّ نفسه» بين الاقتراب من أكثر لحظات الضيف حميمية وخصوصية، وصولاً الى أسئلة محرجة في السياسة، والتحالفات، يكون قد نجح شكلاً ومضموناً في إعلاء سقف المنافسة التلفزيونية، المتراوحة ما بين الترويج الانتخابي وإنجاز المهمة الإعلامية المطلوبة. مفاجآت «الجديد»، لم تقف هنا. أول من أمس، أخرجت من قبعتها السحرية، حلقة خصصت لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. «سليمان عنا» حلقة خاصة ووحيدة، عرضتها المحطة أول من أمس، كسرت فيها القوالب الكلاسيكية التلفزيونية بشكل تام. حضر فرنجية داخل مبنى «الجديد»، متنقلاً بين أروقتها، وغرف تحريرها، ومجيباً على أسئلة صحافييها. مرة جديدة، تربح القناة الرهان، في التقاط الأنفاس، والمتابعة. في المحصلة، شهد الاستحقاق الانتخابي هذه المرة، تغييراً واضحاً في إستراتيجيات القنوات المحلية. ما عادت مساحات الحوار التقليدية بالنافعة، وبات اللجوء إلى أفكار عصرية وجديدة مطلوباً بقوة، في عصر الرقمنة والتسمّر على مواقع التواصل الاجتماعي. يبقى التحدي في هذه المساحات الانتخابية الترويجية، طريقة تقديمها، ومهارة تطبيق الأساليب الحوارية المهنية المطلوبة مع الضيوف. طريقة توازن بين الصورة «المدفوعة» سلفاً، وبين العمل المهني المحترف.
«سيّد نفسه»: الأربعاء ــ 21:30 على «الجديد»
«لوين واصلين»: الخميس ــ 20:30 على lbci
«تحصيل حاصل»: الخميس ــ 21:15 على lbci
«دق الجرس»: الأحد ــ 21:30 على mtv