«الأخبار» واكبت التصوير في أيّامه الأولى. وللوصول إلى الموقع، كان علينا السير في شوارع حي «عين قرش» العريق في دمشق. هذا الحي، كان عبارة عن بساتين في أحدها يوجد نبع ماء مستقل وضع صاحبه تعرفة هي عبارة عن قرش سوري واحد لكلّ عائلة تود زيارة النبع والاستمتاع ليوم كامل بالقرب منه. جمعت الكلمتان أي «النبع» و«القرش» لتمنحا الحي اسمه «عين قرش». السير في هذا الحي ليلة الاثنين ستمنح فرصة طربية مختلفة على صوت المذكّر وهو يتلو تراتيل إسلامية على مكبّر المسجد القريب قبل أذان العشاء! نسأل أي عابر عن بيت «إم أحمد» حيث يجري التصوير فنستدل فوراً. البيت الشامي يقع بالقرب من «بيت أبو سعيد» وهما استديوهان صورت فيهما عشرات الأعمال السورية، إلى درجة أنّ أبا سعيد صار يقدم اقتراحاته على المخرجين فيما تراقب «إم أحمد» زوايا التصوير وتدلي برأيها واقتراحاتها على أصحاب المشروع! نصل إلى موقع التصوير، فيستقبلنا المخرج محمد زهير رجب، مفتتحاً حديثه معنا باستغرابه إزاء ما يسمع به من اعتذارات يومية لنجوم النسخة الأولى من العمل. يقول بلا مواربة: «لم نرسل لأحد منهم حتى يملأوا الدنيا اعتذارات. حكايتنا مختلفة كلياً عما سبق أن قدِّم، ولا نحتاج إلى الشخصيات القديمة. خلال أجزائه، استغنى العمل مراراً عن شخصيات أساسية ونحن لا نقدم شرطاً غريباً عما سار عليه؟». ويضيف: «نقدم حكاية افتراضية مشوّقة تعتمد على فرضية تعرّض الحارة الأساسية للقصف ونزوح أهلها نحو أحياء جديدة. تحط حكايتنا في «حي الصالحية» ونرصد شخصياتها الأساسية وتلك التي نزحت من حارة الضبع. الهم هنا هو محاولة تخليص العمل من أي موروث رجعي وتقديم نماذج متحضرة واكبت تلك المرحلة وهي فعلياً كانت موجودة في المجتمع الدمشقي الذي لا يمكن أن نختزله في حالة منغلقة».
النجم قاسم ملحو يؤدي دور رئيس المخفر، يقول لنا بأنه ارتأى بعد موافقة المخرج تغيير اللهجة الشامية، لتصبح لهجة أخرى تخص شخصيته فقط. وهو ما يعكف على تعديله أثناء التصوير ويتطلب منه جهداً وتركيزاً كبيرين. ويضيف: «الشغل في مسلسلات بيئة شامية، ليس انتقاصاً للممثل لأنها مهنته التي يعيش من ورائها، والأمور تنحو باتجاه العرض والطلب وفق تشابك علاقات ومسائل لا تخص الموهبة أو صلاحية الممثل لأداء الشخصية دائماً».
بدوره، يشرح النجم زهير عبد الكريم دوره: «سبق لي أن جسدت شخصية في «باب الحارة»، لكنني هنا أقدّم شخصية جديدة مختلفة، أسعى لأن تترك قيمة وخفة ظل على المشاهد، بخاصة أنه لم يسبق لي العمل مع هذا المخرج منذ زمن طويل. هي شخصية رجل اسمه أبو بسام يعمل بائع مخلل، يبدو حريصاً جداً على الأشياء المادية. ينتقل إلى مكان متقدّم على هذا الصعيد بسبب حرصه الزائد وميراث يحصل عليه بعد وفاة أخيه، يسبّب له إشكالات كبيرة مع أبناء أخيه لدى عودتهم ومطالبتهم بحصصهم». يبدو مفاجئاً بأن عبد الكريم يمتلك موقفاً نقدياً من أعمال البيئة الشامية إلى درجة يعتبرها «شرّاً لا بد منه»، لا سيما أنها «تقترب من تاريخ عاصمة عريقة مثل دمشق تعتمد بتاريخها على وثائق مهمة. هذه الأعمال ليست لها علاقة بحضارة المدينة القديمة». من طرف ثان، يعرب الممثل المعروف بأنه يميل إلى عنونة العمل باسم جديد «لأنه مّل تلك السلسلة وما وصلت إليه، بغض النظر عن أي خلاف فأنا لست طرفاً فيه».
في السياق ذاته، تقول النجمة مرح جبر: «خرجت من شخصية إم ظافر التي قدّمتها سابقاً لصالح شخصية أم بسام وهي سيدة متزوجة وأم لشابين وبنت. تتعرض العائلة لمشكلة تقاسم الميراث مع بقية الورثة، ويظهر بعضهم بعد اختفاء طويل للمطالبة بالإرث. تبدأ المشاكل بمنطق اعتيادي، لكن سرعان ما تتعقد وتصل إلى مطارح مشوقة».
تخليص العمل من أي موروث رجعي وتقديم نماذج متحضرة كانت موجودة في المجتمع الدمشقي
أما الممثل عادل علي، فقد اعتاد أن يقدّم المنطق والمفاتيح الأدائية ذاتها كشيخ الحارة في معظم الأعمال الشامية. عبر تاريخه، قدّم أكثر من 300 ساعة تلفزيونية بالدور نفسه، إلى درجة أن بعض المارة يستوقفونه ويستفتونه في مسائل دينية عالقة في حياتهم. هنا يلعب دور الشيخ ذاته الذي أدّاه في النسخة الأصلية بعدما نزح من حارة «الضبع» واستقر في «حي الصالحية»، وراح يلعب دور السلطة الدينية في الحي. يحكي لنا أنه رغم دراسته الإخراج في موسكو وانكفائه نحو التمثيل، إلا أن المخرجين قرروا حبسه في هذا الدور بسبب رغبتهم في القوالب الجاهزة أو «ربما لأنّ من سبق أن لعب هذه الشخصية لم يوصلها بالشكل الأمثل. وقد يكون لأنني أعمل بطريقة اجتهادية تعمّق دوري وتظهر صورة معتدلة عن إسلام بلاد الشام».
أما النجم الشاب فاتح سلمان، فيختصر الحديث عن شخصيته، قائلاً: «لا أقدّم دوراً بديلاً عن ممثل آخر. هو دور جديد يعتبر بمثابة معادل موضوعي للقيم التي كانت سائدة في المجتمع الدمشقي، كالشهامة والرجولة ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، والوقوف مع الحق، بالاتكاء على قوته واحترامه بين الناس. هذه الشخصية قد تكون استُهلكت لكثرة ما قدّمت بنفس المنطق والأداء الذي يعتمد على المفردات الخارجية فقط! وهو ما يصعّب المهمة على أي ممثل يريد أن يؤديها مجدداً. لذا استغرق الموضوع مني مسافة للبحث وإيجاد بدائل تشبهني وتنسجم معي كممثل، ولا تشبه السوية التي قُدّمت سابقاً من قبل عدة ممثلين أحترم جهدهم وأداءهم، لكن يبقى لكلٍّ واحد منطقه ووجهة نظره الخاصة».