المكان عنده حافل بالشعريّة، فهو مصدر جذب الانتباه ومصدر الغموض
من سمات خطابه القصصي كذلك أنه يبدو كما لو كان مؤمناً بتجريد الخطاب القصصي من الأفكار والرسائل البارزة والقضايا الكبرى ويبدو السرد مقتصراً على وظائفه الجمالية وطابعه الإنساني فحسب. فكأنه رسام أو نحّات يؤمن بأهمية السرد لمجرد أن يشكل منحوتات ولوحات سردية ذات طابع إنساني نابض وحيوي وحافل بالحركة والمعاني الإنسانية والأحوال المتوارية والمعاني الخفية، ويبدو الإنسان بصفة عامة في هذا السرد القصصي عالماً مجهولاً وغرائبياً، فالنفس الإنسانية لديه تكاد تكون غابة مجهولة وحافلة بالغرابة ويتوقّع منها المفاجآت دائماً. ولهذا فإن كثيراً من الشخصيات لديه تخرج عن الطابع النمطي أو السيمتري الثابت، بل إنّ الكفراوي أقرب لأن يكون منقّباً في غموض النفس الإنسانية سواء كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً صغيراً. فالإنسان دائماً حافل بالمغامرة ينزع إلى التغيير والتجديد ولا يتوقف عن التطور. ولهذا فإنّ كثيراً من مظاهر الدهشة والتجدد في عوالمه السردية يكون نابعاً من ديناميكية النماذج الإنسانية التي يسرد عنها. فالطفل مغرم دائماً بالسفر والخروج على القواعد، يريد أن يستكشف العالم من حوله، وكذلك الرجل أو الزوج أو الزوجة. وربما تبدو المرأة بشكل خاص ذات صورة مغايرة وتبدو أكثر جرأة ومصدراً خصباً للمفاجآت.
هذا ما نراه مثلاً في نموذجين في قصتين. في واحدة منها نرى المرأة تعيش أزمة بسبب زوجها السابق الميت الذي تريد أن تزور قبره بمعرفة زوجها الجديد، فيحدث توتر ومشكلة بينهما تنتهي بشكل غريب وطريف. وفي مرة أخرى نرى الزوجة التي ترغب في أن تلتقط لها صورة زفاف (عريس وعروسة) بعد عشرين عاماً من الزواج. وبشكل عام نجد أن قصصه تقارب علاقات الزواج بحسّ مرهف قادر على رصد جميع التوترات والتحولات في العلاقة من شدّ وجذب وعشق وفتور وهيمنة لأحد الطرفين وغيرها الكثير من أبعاد. هذا الارتباط الذي يبدو بيئة خصبة لديه، تمكّن من استكشافه على نحو جميل وطريف. ظلّت قصص الكفراوي مرتبطة وموزعة بين عالمي القرية والمدينة على نحو يكاد يكون متساوياً، بل إن المدينة عنده مهما بدت حافلة بمظاهر التحديث والحضارة، فهي أقرب لأن تكون قرية كبيرة. ويمكن القول بأنه يكاد يكون باحثاً لتلميح ثابت بأن المدينة في جوهرها لا تختلف كثيراً عن القرية، ذلك لأن الإنسان واحد في الاثنين. ولهذا فإنّ المدينة هي الأخرى لا تختلف في أجوائها الغرائبية عن القرية، ففيها الأرواح التي تسكن البيوت وفيها الحيوانات والكائنات التي تمثل مصدراً للخوف والرهبة. والحقيقة أن المكان بصفة عامة لديه حافل بالشعرية، فهو مصدر جذب الانتباه ومصدر الغموض ويمكن أن تنفجر منه أو بسببه أحداث كثيرة. ولهذا فإننا يمكن أن نقول إن ثمة حساسية خاصة جداً بالمكان في سرد سعيد الكفراوي، والحقيقة هو خطاب متميز ويحتاج إلى دراسات من زوايا عدة وبخاصة اللغة والمجازات وعلاقتها بالعناصر الأخرى، فضلاً عن الثقافة البصرية وأنماط الشخصيات لديه.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا