بدا هذا الاستلاف كأنه صنو لغياب يستحضر نفسه عبر توليفات تشكيلية من خزين الذاكرة، أو ما علق بها من مفردات وأماكن ومناخات وطقوس حميمية ابتعدت بابتعاد الوطن الأول. ما يستوقف زائر المعرض هو الحضور الطاغي لرموز المدينة كالأبواب الشرقية والنوافذ والشناشيل والباعة المتجولين والنساء المنكفئات على أحزانهن والمشاهد اليومية المألوفة والمعمار الشرقي والإسلامي والحروف العربية والأقواس والقباب وخرائب بغداد، وكونه فناً «غدّاراً» فإنّ التحكم بنتائج الصياغات النهائية، أكانت فنية أم جمالية، بدا مهمة تتطلب دربة أكاديمية وصبراً كبيرين. دربة اكتسبتها الفنانة حين أكملت دراستها في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1977، ودراساتها الأكاديمية العليا في بلغاريا عام 1990. ما هو مثبت على سطوح هذه الأعمال من رموز وإشارات، أقرب الى لعبة مفتوحة النهايات في استنطاق مادة الصلصال وتطويعه كي يستجيب لفكرة الفنانة. ومثله بدت الألوان نابعة من طبيعة العمل وليست جزءاً دخيلاً عليه ذا غاية تزينية فـ«السيراميك عندي تكوين نحتي أكثر مما هو تزينيي. لذا أنا مقتصدة بالألوان. كون اللون ينبثق من مادة العمل، ومصهور بأصالته» كما تقول صالح.
في سلسلة «الأقنعة الأفريقية» المنفذة بشي الطين الحجري ثم صقله ليأخذ شكله النهائي، تحضر إشارات مبثوثة على سطوح الأعمال، تعيد المتلقي الى ما خلفه الأسلاف السومريون. ومثلها تلتقط في «بغداديات» الحياة اليومية بدفقها وعفويتها، حيث النسوة الملفعات بالعباءات يتقدمهن بائع جوال لطائرات ورقية. احتلت الشناشيل والبيوت التقليدية خلفية العمل في إحالة الى ذاكرة الطفولة للمحلات والأماكن البغدادية الشعبية القديمة. وتنقلنا في «خراب في بغداد» إلى آثار ما خلفته الحروب من دمار على باب بيت يتوسط العمل، وعلى جانبيه تكوينات صغيرة باللون الفيروزي، كأنها أقرب الى صور خرائط المدن من الجو.
أعمال تمثّل خلاصة تجربتها
في النحت والسيراميك
«استحضار عبق الماضي» محاولة تعويض ربما، تعيد للفنان التصالح مع نفسه عبر الإمساك بخيوط ذاكرة مشعة ووهاجة واسترجاع الماضي أمام حاضر أجدب لا رائحة له. محاولة ألا يتحول الوطن الأول الى ذكرى بعيدة، أو كما عبر عنه يوماً بدر شاكر السياب «بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق... وكنت دورة أسطوانة» في قصيدته «غريب على الخليج» وهو على مسافة ليست بالبعيدة من مدينة أبو الخصيب البصرية.