يوم هاجر العبيدي إلى كندا واستقرّ فيها لدراسة الإعلام، عقب تخرّجه من أكاديميّة الفنون الجميلة في بغداد عام 1990، بحث طوال أربع سنوات في قضيّة الهنود الحمر. يقول إنّه اكتشف أموراً مذهلة حول الإبادة التي ارتكبها الأوروبيون الطارئون بحقّ سكان أميركا وكندا الأصليين. هذه العودة التاريخيّة ألهمت الفنان (إضافة إلى مأساة العراق) نهجه الفنّي أسلوباً وموضوعاً ومحتوى. في لوحات العبيدي بقايا أسلحة وأجزاء عملاقة من أجساد بشريّة وأطراف مقطوعة وأخرى اصطناعية. يضمّ المعرض تحت عنوانه العريض عنوانين فرعيين لمشروعين فنّيين مختلفين موضوعاً وأسلوباً: العنوان الأول «رسائل مبهمة» والثاني «مارسوا الحرب لا الحبّ» (أي الصيغة المعكوسة لشعار الهيبي المناهض لحرب فيتنام). الأعمال المدرجة تحت الشعار الأول تطرح شكّاً في صدقيّة الشعارات التي تطلقها الأنظمة الغربية والرأسمالية فيما هي تُشيع القتل وحروب الإبادة وتعزّز العلاقة بين الإنسان والآلة والتكنولوجيا على نحو استلابيّ استعباديّ. هنا تنحو لوحات العبيدي في الاتجاه السورياليّ، فنرى كائنات شبيهة بقطع الدمى وسط أدوات الاستخدام اليوميّ.
منذ عام 2003، تدور ثيمات الفنان العراقي حول المنفى والحرب وضياع الهويّة في مرحلة ما بعد الغزو الأميركيّ
تتجلّى قيمة أعمال العبيدي في دلالاتها المفتوحة وبحثها عمّا خلف المعنى. بين الرسم و«الرشم» (السيريغرافيَة) تضيق لدى الفنان العراقيّ إمكانيّة الوصول إلى الجمع بين الأسلوبين ودمجهما بالمطلق. ثمة فجوة بينهما لم ينجح العبيدي في إقفالها، فبدت اللوحة هجينة ذات تقنيتين غير متحدتين، ما يضعف تأثيرها في المتلقي. مع ذلك، ثمة تناغم وتماهٍ بين الأسود والترابيّ («الأوكر» تحديداً). ليت هذا التناغم انسحب على باقي التقنيات. يسقط العبيدي على لوحاته الحلّة السوداء بما لها من رمزيّة. إنّها الصورة المعتمة للعالم. ماذا يمكن أن تُلهم الحروب والمآسي غير هذه الصورة المتّشحة بالموت والسواد والأجساد المقطّعة بفعل المجازر الوحشيّة التي يرتكبها الغرب، ماضياً وحاضراً وفي جميع الأطوار التاريخيّة؟ يدعونا العبيدي إلى رحلة تشكيليّة في قطار الزمن، لنشهد على هول ما حدث للإنسان على مدى الزمنين القديم والحديث.
* «أعضاء غريبة» لمحمود العبيدي: حتى الثالث من كانون الأول (ديسمبر) ـــ «غاليري صالح بركات» (كليمنصو ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/365615
سيرة في سطور
ولد محمود العبيدي في بغداد عام 1966. بعد دراسة الفنون التشكيلية في بغداد وسفره إلى كندا ونيله دبلوماً في الإعلام من «جامعة رايرسون» في تورنتو عام 1998، ثم دبلوماً آخر في الإنتاج السينمائي من أكاديمية HIF في لوس أنجليس، أتبع كل ذلك بماجستير في الفنون الجميلة من «جامعة غويلف» في أونتاريو عام 1998.
شارك في معارض عربيّة وعالميّة بين أميركا الشمالية وأوروبا وصولاً إلى الهند، وتبنّت العديد من متاحف الفن المعاصر أعمالاً تعرض له في شكل دائم، بين كيبيك ولندن وعمان والدوحة والشارقة وبغداد.