الشهر الماضي، وفي إطلالة له عبر بودكاست «ليكس فريدمان» الشهير، بدا مارك زاكربيرغ كمن يحاول إعادة التسويق لشخصه غير المحبّذ بين الناس. تحدث عن المشاريع القادمة، وكشف أنّ «ميتا» تعمل لإطلاق منصة تواصل اجتماعي جديدة للنصوص. كذلك، كان لافتاً قوله إنّه نادم على كيفية معالجة فيسبوك للأخبار الزائفة والمضلّلة في السنوات السابقة، مشيداً بطريقة «تويتر» الجديدة عبر الـ community notes.
على المقلب الآخر، إيلون ماسك ملياردير غريب الأطوار، لكنّ الناس يحبّونه. يرون فيه صورة طوني ستارك، الرجل الحديدي من «مارفل كوميكس». يؤيدون ما يفعله ويبغضون ما يرفضه من دون تفكير. هو حالة شعبية لا يمكن نكرانها أو تخطيها بسهولة.
كذلك، هناك بعد إضافي لتعدّد منصات التواصل القائمة على النصوص مثل تويتر. ولفهم ما يحصل هنا، لا بد من الإشارة إلى عبارة متداولة في واشنطن: «26 كلمة خلقت الإنترنت»، في إشارة إلى القسم 230 من قانون آداب الاتصالات لعام 1996، وهو قانون أميركي يحمي شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفايسبوك من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون. لكن منذ تولّي دونالد ترامب، الرجل المدمن على تويتر، رئاسة الولايات المتحدة وما حصل في عهده من انقسام سياسي واجتماعي واقتصادي حاد، انتقل هذا الانقسام إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم يفوّت ترامب فرصة بتهديدها بتعديل القسم 230، لتصبح تلك المنصات مسؤولة عن أي عبارة يكتبها معارضو ترامب. كذلك، يعتبر أقطاب اليمين أنّ منصات التواصل الاجتماعي هي أذرع الحزب الديموقراطي الرقمية، وأنّ تلك المنصّات تعمد إلى حجب محتوى وفكر الحزب الجمهوري وتعطيل حسابات المؤثرين اليمينيين. وبالتالي، بعد إخراج ترامب من منصات التواصل كافة، بدأ العالم يشهد انطلاق منصات تواصل تقول في صريح العبارة إنّها «معقل اليمين»، مثل «تروث سوشال» التي يمتلكها ترامب نفسه، بالإضافة إلى «غاب» و«بارلر».
منذ إسكات ترامب رقمياً، بدأت منصات تواصل جديدة في الظهور
إذاً، نحن أمام منصة مالكها محبوب الجماهير يريد «الاعتدال» في الخطاب على الإنترنت، ومنصة أخرى مالكها له تاريخ طويل من الاستخفاف ببيانات المستخدمين وبيعها. لكن من قال إنّ الأمور يجب أن تكون محصورة بين تلك التطبيقات؟ تويتر لم يعد ذلك التطبيق البراق كالسابق، و«ميتا» متهالكة. فالجيل الجديد من المستخدمين، أي الجيل «زي»، لا يعلم ما هو فيسبوك أصلاً. فهم موجودون على تيك توك وسناب تشات. في وقتنا الحالي، كلّ السوشال ميديا تعمل وفق آلية مشابهة من ناحية صانع المحتوى والجمهور. لكن كل الجهد المراكم من قبل صنّاع المحتوى، يبقى معرّضاً لخطر الزوال بمجرّد إلغاء الحساب. أي أنّ هويتنا الرقمية بكل ما جمعته وراكمته خلال سنوات عدّة، لا معنى لها ولا يمكن حمايتها. وبالتالي، أي منصة تواصل جديدة «تقليدية» لن تلفت نظر أحد. لكن، ماذا لو كان لدينا هوية رقمية تسمح لنا بأخذ المحتوى الذي صنعناه ومتابعينا معنا؟ هذا ما تعدنا به منصة «بلو سكاي سوشال». الأخيرة هي مبادرة أطلقها جاك دورسي (مؤسس تويتر). ويمكننا تخيّل المنصة بمثابة دولة تحوي ولايات عدّة، لكلّ منها قوانينها الخاصة. وبدلاً من إلغاء حساب شخص ما، يتم طرده من الولاية الموجود فيها لينتقل مع كل ما صنعه من محتوى إلى ولاية أخرى. الأمر البالغ الأهمية في هذا التوجّه، هو أنّه يعيد جمع الناس بمختلف توجهاتهم الثقافية والسياسية في مكان واحد. دولة رقمية كبيرة تضمن حماية هويتنا في عالم الديجيتال. ويمكن الوصول إلى المنصة عبر متصفح الويب أو تطبيق Bluesky Social لنظامي التشغيل iOS و«أندرويد». والخدمة حالياً في إصدار تجريبي، يتم إنشاء حساب فيها عبر الدعوة فقط، وستفتح أمام الجمهور في وقت لاحق.