الدكتور علاء ابن بيئة مثقّفة بامتياز، فأبوه أستاذ جامعي محاضر في التاريخ والحضارات وعمه وأبو حبيبته يسرى أستاذ جامعي في كلية الطب في مصر، وخطيبته طالبة جامعية في سنتها الجامعية الثانية في كلية الطب. وهو أي علاء يمارس دوراً إسعافياً في النهار ودوراً إعلامياً في فضح ممارسات العدو وعدوانه عبر الرسائل الإلكترونية التي يبعثها ليلاً عبر الشبكة العنكبوتية.
يعيش علاء لحظة العصف التي تحيط بغزة بكل فعالية وحيوية، ويتألم من برودة عمّه إزاء ما يحصل في غزة، ويوجعه عدم اكتراث حبيبته إلا بسلامته وعودته حياً إليها، ويبعث برسائل امتنان إلى دول وأحزاب وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني.
ومن أجمل ما قيل في مؤتمر القمة في الدوحة ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد: «كل طفل يُقتل يزرع عشرات المقاومين. كل طفل سنعلّمه عند ميلاده: لا تنسَ، حتى إذا كبر قال: لن أنسى ولن أغفر. سنعلّق على جدار غرف أطفالنا صور الضحايا».
ويمجّد الهودلي على لسان شخصيته الرئيسة علاء موقف الدولة السورية التي قدّمت ما تستطيع للمقاومة، «انظري إلى موقف الحكومة السورية من المقاومة في لبنان، سوريا فتحت حدودها وشكلت عمقاً أمنياً لحزب الله، ما أسهم في الإعداد للمعركة وتمرير التجهيزات الطبية العسكرية اللازمة لها».
أُغلق معبر رفح في وجه علاء فمكث في القطاع عاملاً في الإسعاف الحربي
إلى الموقف الإيجابي من حزب الله والدولة السوريّة، يُعرب بطل «ليل غزة الفوسفوري» عن خيبة أمله من الأنظمة العربية التي أدارت ظهرها لعذابات الشعب الفلسطيني المظلوم، ولا سيّما النظام المصري الذي يُغلق معبر رفح ويحرمه من متابعة دراسته الجامعية، ويضنّ على الجرحى من العناية الطبية اللازمة: «كيف بنا وأطباء غامروا بحياتهم عندما رفضت السلطات المصرية التهريب»، فعدم السماح للأطباء والمساعدات الطبية أجبرت هؤلاء على المجازفة ودخول القطاع لتقديم المساعدة للضحايا بهذا الطريق غير الآمن.
يبرع الهودلي في تصوير وحشية العدو الإسرائيلي، ويبيّن الأسس العقائدية التي يقوم عليها هذا العدوان، فيورد عبارات صهيونية كعبارة «لا رحمة للضعفاء» ويستشهد بكلمات لكبار القادة الصهاينة كعبارة شارون: «لا رحمة للضعفاء، السلام في تاريخنا هو المدة التي نستعد فيها للحرب القادمة»، ومناحيم بيغن الذي يرى أنّ «التقدم في تاريخ العالم ليس في السلام بل بالسيف، والاحتلال». من هذا البنيان العقائدي ومنصة هذه الأفكار، ينطلق أحد الطيارين إلى مهمته تاركاً في المنزل كل المشاعر الإنسانية من دون أي إحساس بالذنب أو أي مشاعر اتجاه الضحايا التي يوقعها في صفوف المدنيين، فـ «المحارب يجب أن لا يرى ولا يشعر». تأتي الأعمال العسكرية هنا كشكل من أشكال التعبير والتطبيق العملاني لهذا الحقل الثقافي الأيديولوجي وامتداد له. عن هذه الحالة الشعورية، يعبّر الطيار الإسرائيلي بلا أدنى مواربة: «عندما أطلق صواريخ وقنابل، ينتابني شعور لاعب «الأتاري» وهو في غمرة المغامرة وقنص الهدف فأستمتع أكثر في الليل، وخاصة عندما ألقي القنابل الفسفورية، كيف تلمع وتضيء وتتناثر على مساحة واسعة تماماً كالتي تراها في عيد الميلاد». لا يفوت الهودلي أن يصف حقيقة «الجنود الإسرائيليين الذين لا ينزلون من دباباتهم، ولا يطمئنون على الأرض التي يقفون عليها إلا بعد حرثها بصواريخ الطائرات».
الزمان الروائي الذي لا يتجاوز الشهر، والمكان الذي هو غزة وبطل بحدّ ذاته، والشخصية المحورية علاء تضافرت مجتمعةً لتقدم رؤية استشرافية توقعت تحولاً تاريخياً في مسار القضية الفلسطينية بعد عملية «الرصاص المسكوب» لتترك القارئ يتساءل عن مصير هذا الكيان المصطنع بعد عملية «طوفان الأقصى» وما سينتج عنها من تفاعلات بنيوية داخل المجتمع الإسرائيلي في المستقبل القريب.