حفرت النجمة الكبيرة تاريخها بأظافرها. وبنت بيتاً أساساته الصلبة ضاربة في عمق الأرض، وجدرانه الأربعة واضحة المعالم، غالباً ما سيكتشفها بنفسه من يزور منزلها في الشام. أحدها بناه عرّابها ورفيق دربها وصاحب الفرص الأولى، أي زوجها المخرج الراحل محمد شاهين، وثانيها لابنها الوحيد وهو طبيب مغترب في أميركا، وثالثها لمكتبة ضخمة قرأتها بنهم في محاولة لتحقيق تراكم معرفي وثقافي يعوّضها عن عدم إكمال دراستها. وهي الحسرة التي لازمتها طوال حياتها. أما الجدار الرابع، فيتمثّل في محبّة الناس والشعبيّة العارمة والتقدير الكبير في الأوساط الفنية والإعلامية والجماهيرية، إضافة إلى مكانة واصف لدى محيطها القريب، وهي عميدة أسرة فنية عريضة.
من شارع العابد وتحديداً في عام 1942، بدأت الحكاية المطوّقة بالشغف! هناك ولدت لأب كردي الأصل من الموصل وأم من وادي النصارى. لكن الشقاق العائلي وقع، وانفصل الزوجان بينما لا تزال منى في السابعة من عمرها، الأمر الذي اضطرّها للعيش في كنف أمّها التي تزوّجت ثانيةً، برفقة شقيقتيها غادة وهيفاء اللتين ستصبحان ممثلتين لاحقاً.
درست في مدرسة «الفيحاء» ثم في «البحصة»، لكنّها لم تكمل، إذ رسبت في امتحانات الشهادة المتوسّطة (البروفيه) فاتجهت إلى العمل. عملت في مجال بيع الأزياء النسائية وعرضها في محلات «جورجيت الباريسية» في ساحة يوسف العظمة، وراقصة شعبية في فرقة «أمية»، إلى أن قرأت ذات يوم في عام 1960 إعلاناً يطلب راقصات شعبيات وممثلات لفرقة «المسرح العسكري». وهناك، حيث كانت تقدَّم مسرحيات كوميدية خفيفة باللهجة المحكية، تلقّت تدريباً مسرحياً من الملازم الأوّل محمد شاهين الذي ستتزوجه بعد ثلاث سنوات.
النقطة المفصلية في تكوين صيغتها الأدائية كانت عندما لعبت دور بطولة في الأيقونة المسرحية الشهيرة «تاجر البندقية» لشكسبير، من إخراج رفيق الصبان. حينها، لفتت الأنظار إلى أدائها وشعرت بأنّها تحقق ذاتها على الخشبة. لاحقاً، ستنهال عليها عروض السينما إلى جانب شغلها في المسرح، إلى أن عُرض لها سنة 1973 فيلم «ذكرى ليلة حب» تزامناً مع العرض المسرحي الذي كانت تلعب بطولته في «مسرح الحمراء».
شكلّ دورها في «تاجر البندقية» نقطة مفصلية في تكوين صيغتها الأدائية
لكنّها تنبّهت لاحقاً بسبب الإشارات النقدية القاسية، لأنّ ظهورها في السينما لا يليق بالمكانة التي صنعتها في المسرح. مع ذلك، واظبت على الظهور على الشاشة الكبيرة، في حين حققت قفزة نوعية هائلة في عام 1975، إذ جسّدت بطولة «أسعد الورّاق» لعلاء الدين كوكش وقدّمت دورها الخالد بشخصية «هند بنت عتبة» في فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد. ثم توالت أدوار البطولات المطلقة، وخصوصاً بعدما انتشرت الدراما التلفزيونية في بلادها وتراجعت جميع الفنون الأخرى. لكن حتى في أكثر محطّاتها التلفزيونية تعرّضاً للنقد، لم تتخلّ منى واصف يوماً عن وزانة أدائها، بل تمكّنت من إقناع جمهورها بصدق بشغلها الفردي ولو كان في محطّات تلفزيونية متهالكة. حصل ذلك في سلسلة «باب الحارة» التي ظهرت فيها بدور «إم جوزيف» الواقفة بصلابة في وجه الاستعمار الفرنسي والقادرة على كسر الحصار عن «حارة الضبع» بمفردها. كما استطاعت أن تثبت بصلابة في «الهيبة» خلال كامل أجزائه في وجه المؤامرات والدسائس، وتكون أعتى من الموجات الغادرة رغم معادلة المسلسل موضوعياً لـ «باب الحارة» ولكن بأسلوب معاصر وطرح مغاير.
ورغم الانتقادات الهائلة للعملَيْن واتهام الأوّل بتكريس منطق رجعي والثاني بتأمين غطاء درامي وتسويق تشويقي للخارجين عن القانون، إلا أنّ «السنديانة السورية» ظلّت بعيدة عن سهام النقّاد، ولا سيّما أنّ مهابة حضورها ورِفعة أدائها تشفعان لها دائماً.