«هذا المسلسل ليس توثيقياً، إنما محاكاة درامية عما حدث ويحدث في بلدنا». بهذه الجملة يفتتح المخرج السوري سيف الدين السبيعي الجزء الثالث من «الولادة من الخاصرة» (منبر الموتى) في خطوة استباقية لما كان متوقعاً من هجوم على صنّاع هذا المسلسل، على اعتبار أنّه يفضح المؤسسة الأمنية، وتجاوزاتها الخطيرة ويكشف النقاب عن تورط الأمن في الدماء، ومساهمته بعقليته القمعية في ازدياد موجة التظاهرات واندلاع الحريق الذي ما زال يلتهم المدن السورية حتى اليوم.
لكن حالما وصل المسلسل إلى الحلقة التاسعة أول من أمس، حتى هجم «شبيحة» النظام على هذا العمل «الصهيوني» الذي كتبه السيناريست «الاسرائيلي» سامر رضوان بحسب التعبير الحرفي لإحدى صفحات الفايسبوك التي تدّعي أنّها تأسّست للدفاع عن سوريا، وإذ بها تتحول إلى منبر يشتم «الولادة من الخاصرة 3» ويتهمه بالعمالة. لم يقف الموضوع عند هذا الحد، بل سمعنا مصادر شبه رسمية تعتبر أنّ هذا المسلسل صنع في استديوهات محطتي «الجزيرة» و«العربية» اللتين اشتهرتا بالتحريض والمبالغة على الشعب السوري، أو في أروقة صحيفة «يديعوت أحرنوت» الصهيونية! كأنّ تلك القوة التي تتمتع بها المؤسسة الأمنية وصمودها لأكثر من سنتين أمام «هجمة كونية شرسة» على حد تعبير المغالين في تأييد النظام، باتت مرهونة بمسلسل تلفزيوني يحمل على عاتقه المتعة والترفيه قبل أن يحمّل نفسه أي مسؤولية توثيقية. في مقابل ذلك، نشرت تعليقات على الصفحة الافتراضية ذاتها تعتبر بأنّ صناع العمل هم تجار أزمة، والمسلسل مجرد «مأتم عزاء مفخخ للوطن يقام بأموال الخليج» في إشارة إلى شراكة محطة «أبوظبي» مع شركة «كلاكيت» المنتجة للمسلسل، في حين تعود الصفحة ذاتها للتغزل بدولة الإمارات بدعوى «سحب كل استثماراتها في تركيا».
طبعاً التخبط هو السمة العامة لمثل تلك الصفحات التي تحظى بعدد كبير من المتابعين، رغم استمرارها في حملة التحريض الواسعة ضد نجوم «منبر الموتى» وفتح باب التصويت على محاسبتهم ومحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى. هكذا، نال النجمان باسم ياخور وقصي الخولي حصة الأسد من التحريض والتشهير، عنما نشرت الصفحة تهديدات واضحة للنجمين وتحريضاً على اعتقالهما في «فرع المخابرات الجوية» قبل أن تفبرك تصريحات على لسان باسم ياخور تدّعي بأنّه حاول تبرير مشاركته في هذا المسلسل في حين كان بارزاً دخول الممثل والمخرج السوري عارف الطويل على خط التحريض وصبّ الزيت على النار ضد زملائه (راجع الكادر).
على أي حال، فالجزء الثالث من العمل الذي حقّق نجاحاً جماهيرياً لافتاً يبدو أكثر نضجاً بعد تخلص سامر رضوان من الإرباك الذي وقع فيه الجزآن السابقان وغياب الترابط بين خطوط درامية عدة. يركّز النص في حلقاته التسع الأولى على الفساد الذي تغرق فيه البلاد من أعلى المستويات واصطدام أهل الطبقة الفقيرة والمسحوقة بعنجهية ضباط الأمن الذين يعتبرونهم مجرد خدم ويسحقون كل من يفكّر أن يعلو صوته. نرى الانشقاقات بين صفوف حفنة من الفاسدين الذي يتحكمون بمصير البلاد ونتابع كيف بدأ عمل المجرمين على جمع الفارين من وجه العدالة، ليكونوا ذراعاً حديدية تضرب بها المؤسسة الأمنية موضة لم يسمع بها في تاريخ سوريا المعاصر ألا وهي «التظاهرات». كذلك، نتابع الطريقة التي يستعبد بها هؤلاء المتنفذون الطبقة الكادحة (العبارة التي لطالما قرأت الأجيال السورية في كتب مادة القومية بأنّها رهان النظام الحاكم في سوريا) ليتابع المشاهد رصداً دقيقاً للأزمة المحمومة التي عاشتها البلاد والشرارة الأولى في الحريق السوري من خلال سرد بوليسي مشوق وقصة متماسكة اعتمدت على حلول ذكية وغير متوقعة وإن أخذ عليها المبالغة في بعض الأماكن وبعض السقطات الاخراجية كظهور سيارات الدفاع المدني اللبناني وهي تتجه لإطفاء حريق في دمشق. وقد امتاز العمل بجمعه نخبة من نجوم الدراما السورية المختلفين في آرائهم السياسية في مشاهد واحدة. هكذا نتابع الممثلة مي سكاف في تظاهرة تطالب بالإفراج عن المعتقلين، في حين نتابع نجمة الجزء الثالث سمر سامي وهي تؤدي دور «أم عزام» عندما تجابه عنجهية رجال الأمن على أبواب الفرع الذي يخدم فيه ابنها (سامر اسماعيل) أثناء مرافقتها له ليسلم نفسه بعدما رفض الذل على يدي المقدم رؤوف (عابد فهد) وفرّ من الخدمة الإلزامية. النتيجة المنطقية لما حصل أخيراً مع «منبر الموتى» تنبئنا بأنّ السوريين قادمون على مرحلة جديدة. لو أعلن النظام نصراً مزعوماً، فسيكون النقد ممنوعاً والسجال مرفوضاً والوطنية صكّاً لا يمنحه سوى النظام.
«منبر الموتى» 23:00 على «أبوظبي» و19:00 على lbci
يا حيف عليك
كتب الممثل والمخرج السوري عارف الطويل على الفايسبوك: «بدي الدم يعبّي الشوارع ويخرج عناصر الأمن ويطلقون النار ويردونهم قتلى وجرحى». ثم استطرد: «من ساهم في هذا المسلسل، يريد للحقد وللعنف أن يملأ شوارعنا، مسلسل تحريضي من الدرجة الأولى، ويا حيف على كل من ساهم ويسهم في التحريض وسفك الدم السوري». طبعاً لم ينتبه الطويل إلى أنّه لم يصنع مرةً عملاً يوازي «الولادة من الخاصرة3» جماهيرية، وها هو يتخلى عن حسّ الزمالة، ويتجاهل حقيقة أنّ جزءاً كبيراً من الأزمة التي تشهدها سوريا، يعود إلى التعصّب الأعمى الذي ابتلي به المثقفون والفنانون، والتحريض على الطرف الآخر وغياب الإحساس بالمسؤولية الوطنية.
9 تعليق
التعليقات
-
المشكلة ليست هنالكل رأيه يا استاذ وسام , أرى أن المسلسل يشكو من خلل بنيوي في السيناريو الذي اعتمد على مشاهد فاقعة تشكو من المبالغة البصرية و اللفظية التي وصلت في بعض الاحيان حد اهانة الشعب السوري, فشدت الانظار و أحرزت حضوراً جماهيرياً لا بأس فيه , و هذا الرأي رأي فني لا علاقة له في السياسة . أما سياسيا فلم يلتزم النص الحيادية في السرد , و هذا يؤخذ على العمل , و يحوله لموقف سياسي يصب في خانة لا نتمنى أن نرى مبدعينا السوريين فيها . أما عن عارف الطويل فقوله مرفوض مرفوض قطعاً
-
مهلاً...........مهلاًبداية الحكم على عمل فني ما من خلال ثلثه الآول هو حكم آقل ما يقال فيه أنه غير مكتمل أستاذنا الكاتب إنتقد صفحات الشبيحة وهجومها على العمل وإيكيبه كاملاً، لكتها صفحات شبيحة يكتبون بإسماء وهمية ، وليسول بمكانة النقاد الفنيين التخصصيين. لماذا لم يحاول الكاتب التمييز بين الفاسدين الصغار ، وآحوات المافيا المشار إليهم في المسلسل؟ لماذا لم يحاول معرفة من هو أبو إياد ومن هو قائد ابو نبال الموجود في الخارج؟؟؟ ألا يعرف أحد بأسماء مثل أبو جمال وأبو دريد تنطبق عليهما مواصفات أبو إياد والقائد الذي يكلمه أبو نبال؟؟؟؟ الحكم على العمل يجب أن يكون بعد إنتهاءه، فالكثير من الأعمال الفنية تبقى عقدتها مبهمة حتى اللحظات الآخيرة من العمل.
-
ترفق بنا قليلايحق للجميع استاذ وسام ان يبدي وجهة نظرة مهما كانت طالما لم تكن على شكل ساطور .. خطورة الامر ان المسلسل يروي حدث مازال ملتهب الجراح والمعرفو كم للدرما من قدرة اقناعية .. المسلسل تناول اسابا الحدث بتبسيط شديد وأعطى صكوك غفران بالعموم لكل من ساهم بحرق وتخريب البلد من ارهاب وفكر ظلامي يعني كل من يعترف على التلفزيون هو من صنع النظام وكل الاسباب التي تتحدث عن دور المال والسلاح الخارجي هو محض افتراء النظام وقد اعنرفت به فيما بعد دول بكل وضوح الوقاحة .. ربما غدا ذهب المسلسل بحلقاته القادمة للنيل من طرف المعارضات السورية ليس بالامر هو اختلاف بالراي وانما باستعادة لغة التحريض الغرائزية والتي دفعت البلاد ومازالت بسببهاالكثير من الدماء بالمقابل قارن بين لغة مسلسل سنعود بعد قليل والذي يقدم كل الاطراف وكل افكارهم وانما بلغة حوارية تتيح للجميع ان يستمع من الجميع وهو اليوم ما قد بدأه السوريين بعد اد دفع كلا الطرفين الكثير من الدم والالم والضياع معالجة الازمة السورية بحاجة من نخبة المجتمه لما هو اعمق بالمعالجة فالنظام الامني هو بالنهاية عقلية ومنظومة عمل وتفكير وليس مجرد اشخاص موتورين ساخطين متعجرفين يتصدى لهم ناس بسطاء جدا باعتماد الاكشن على طريقة وادي الذئاب التركي فترفق بنا قليلا نحن السوريين استاذ وسام فجروجنا لم تعد تحتمل المزيد من لغة التحريض
-
تعجبني الأخبار بإنحيازها إلىتعجبني الأخبار بإنحيازها إلى صوت الفنان، صوت الإنسان..
-
الجزيرة الدرامية ... 3قد يقول قائل أن المسلسل لما ينتهي بعد وأننا نحكم عليه قبل أن ينتهي ولا زال هناك الكثير مما يمكن أن يقال ولكن المكتوب واضح من عنوانه .. بالنهاية أنا لست ضد القمع ويستطيع الجميع أن يبدي رأيه ويحارب النظام بالطريقة التي يراها مناسبة ولكن ما أريد قوله هو التالي: ما عجزت عنه الجزيرة والعربية والإخوان والغرب والقاعدة وإسرائيل ودول النفط الخليجي لن يستطيع مسلسل مهما بلغت درجة تحريضه أن يفعله وخصوصاً أن يقدم من قبل مجموعة من الفنانين المرتزقة الذين عاشوا في كنف النظام والدولة عقوداً وهاهم اليوم يلهثون وراء الدولار والدولار فقط .. في النهاية التاريخ لا يعترف إلا بالمنتصر والمنتصر هو من يكتبه ولا تستغربوا أن تجدوا هؤلاء في مسلسلات أخرى تمجد النظام .. هل يا ترى سيكون ذلك في رمضان القادم ... سؤال برسم الميدان؟؟!!
-
الجزيرة الدرامية ... 2وبناء على ما تقدم فلا يستطيع المرء أن ينظر ببراءة إلى عمل يتجاهل كثيراً من الأحداث ولا يقدم وجهة النظر الأخرى إلا من قبيل تصوير النظام السوري كعصابة تسعى إلى التمسك بالسلطة وتقتل الناس الأبرياء المطالبين بالحرية ..رغم أن سنتين ونيف من الأحداث أثبتت بلا شكل لا يدع مجالاً للشك أن النظام السوري يتمتع بشعبية كبيرة جداً كما أن أداء المعارضة نقل قسما كبيراً من الشعب "الثائر" إلى الطرف الآخر المناصر للدولة أو على الأقل المحايد وهذا ما أظهرته استطلاعات الرأي غير المحسوبة على النظام .. إن هذا المسلسل يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء متوهماُ أنه قادر إعادة بث الحياة في جثة "الثورة" ولكن هذا أمر بعيد المنال وقد أصبح في خانة المستحيلات وكان حرياً بمن تدعي أنها نخبة مثقفة أن تحاول إيجاد قواسم مشتركة والتركيز على الحل السلمي لا أن تتبع أسلوباً تحريضياً وبثاً للأحقاد على شاكلة ما فعلته الجزيرة والعربية منذ بداية الأحداث ولحد الآن ...
-
الجزيرة الدرامية ...1مع أني لست من متابعي مسلسل الولادة من الخاصرة ولا أي مسلسل آخر يتطرق للأزمة السورية على اعتبار أن ما نعيشه على صعيد الواقع يتجاوز بأشواط ما يمكن لمجموعة من رواد الفنادق والمهاجرين والهاربين أن يقوموا بتصويره وإلقاء الضوء عليه بغض النظر عن وجهة النظر التي يتبناها صناع الدراما ورأس المال الخليجي الممول .. ولكن ومن خلال متابعة ردات الفعل على هذا المسلسل بالذات وجدت بأنه محاولة لإطفاء لمسة من البراءة والطهر على ثورة فقدت بريقها وتحولت من مطالبة بالحرية إلى وحش ينهش جسد الوطن السوري وقدمت نموذجاً بربرياً وهمجياً لا يصلح لحكم بلد حضاري كسوريا .... طبعاً هذا العمل يحاول أن يحمل الدولة السورية المسؤولية الكاملة عن الأحداث متجاهلا وبشكل مثير للريب مجموعة من الأحداث التي رافقت بداية الأزمة سواء نفسها الطائفي أو استخدامها للعنف من الأسابيع الأولى ومن ثم انجرارها لتكون أداة عميلة بيد أعداء سوريا ..
-
فعلا ياحيف على كل من كتب وأخرج وعمل في هذا المسلسل ...كسوري عايش وبحق جميع المراحل السورية بدءا من نيل الإستقلال وصولا إلى الأزمة السورية اليوم ... نعم كان هنالك تجاوزات أمنية وفساد كبيرين من العام 1963 حتى العام 1970 وقيام الحركة التصحيحية حيث قضى الرئيس حافظ الأسد على رموز الفساد بدءا برباح الطويل وصولا لعبد الكريم الجندي ... بعد ذلك لم أشهد أو أعلم بحصول تجاوزات كالتي رأيتها في المسلسل وبهذا الشكل الممنهج وكأن من كتب وأخرج ومثل هم جماعة متورطة تسعى لزعزعة الوضع أكثر وأكثر مما هو فيه اليوم ... هل يعقل أن يأمر رئيس وحدة أمنية بفتح النار على متظاهرين دون الرجوع للرئيس شخصيا ؟ وهل يعقل أن تلقى الجثث في الشارع وأمام المقرات الأمنية ولايقوم المسؤولون حتى برفعها وإخفائها على الأقل ؟؟؟؟ بالمطلق لم تقع حوادث كهذه في سورية قبل الأزمة ... ولو أتت المشاهد بعد حصول الأزمة وفي أيامنا هذه لكنا صدقناها مع غياب جميع التقارير الحقيقية !!! نعم نطقت حقا وصدقا أخي عارف الطويل .... .