قال للمثقفين إنّهم يميلون إلى التنظير!هذا الغموض في اختيار معاطي، وصناعة تلك «التشكيلة» من المثقفين التي لم يكن لها سياق محدد، ولا جدول للحديث (ما أدى إلى صمت الغالبية)، وتركيز الأقلية ـ المفهوم- على قضايا «السجون» التي أنتجت - بمجهود خالص من الروائي إبراهيم عبد المجيد- الإفراج عن أحد أكثر المعتقلين تعرضاً للظلم (عرف إعلامياً باسم طفل الـ «تيشيرت»)، من دون أن تؤثر في الأقرب ارتباطاً بـ «الثقافة» أي سجن الروائي أحمد ناجي والباحث إسلام بحيري (اكتفى الرئيس بالقول إنّ الأفضل تعديل القانون، علماً بأنّ ناجي وبحيري قد سجنا بقانونين مختلفين، «خدش الحياء» و«ازدراء الأديان»، والرئيس أصدر وحده أكثر من 300 قانون بلا برلمان)... كل هذا عكس أداء الارتجال في حال افترضنا حسن النية. وإن لم نفترض، فهي إرادة شاءت خلق «صورة صحافية» للرئيس مع «المثقفين». صورة لم يصبر صانعوها حتى انتهاء التقاطها، فأخذت صفحة الرئيس الرسمية على فايسبوك، تبث مقتطفات من اللقاء الذي لم يكن قد انتهى بعد. مقتطفات كانت كلها للرئيس وحده.
وإن كان أحد أغرب ما قاله الرئيس للمثقفين هو وصفه لهم بأنهم «يميلون للتنظير»، ما يشبه اتهام مهندسين بأنهم يميلون للبناء، أو أطباء بأنهم يميلون للعلاج، فإن المفارقة الأهم أنّ الرسالة التي أصر الرئيس على التأكيد عليها ـ في مواجهة الانتقادات الحقوقية- هي مدى «صعوبة التوازن بين الضرورات الأمنية، والمطالبات الحقوقية». ترى أين قال الرئيس قبل أسابيع العبارة نفسها؟ كان ذلك في عيد الشرطة، أمام حشد هائل من الجنرالات. ليس بالضرورة أن يعني ذلك أن الدولة لا تفرق بين الشرطيّ والمثقف، فتوجه لهما الخطاب نفسه. ربما، لا تملك الدولة خطاباً أكثر تعقيداً من ذلك، إذ أنها – تماماً كما تريد من المثقفين «لا تميل إلى التنظير».