صدّق أو لا تصدّق: الصحافي اللبناني فداء عياني قيد «الاقامة الجبريّة» في حمى أبو إبراهيم. وفداء عيتاني هو الرجل الذي اخترع أبو إبراهيم. لقد حوّله من زعيم عصابة صغير في الشمال السوري، عند تلك المنطقة الحدوديّة مع تركيا، إلى «بطل قومي» من طينة القائد المساعد ماركوس، فيما هو دمية بائسة تحرّك خيوطها يد خفيّة في تركيا كما بيّنت بوضوح قضيّة الزوّار اللبنانيّين. كان فداء أوّل من تواصل معه، ثم زاره، بعد اختطاف هؤلاء.
ولمناه وقتذاك بمحبّة، لكونه لم يترك مسافة نقديّة تفترضها مهنته، مع مجموعة هو في منطقة نفوذها، وفي مرحلة دقيقة وحرجة اختلطت فيها المعايير، والتبس الواقع، وانقلب حلم الانتفاضة السوريّة إلى كابوس حرب أهليّة (علماً أن النظام يتحمّل جزءاً أساسيّاً من المسؤوليّة في ذلك). كان يقول إنّه لا يقوم سوى بواجبه. فداء أحبّ أبا ابراهيم، فتح أمامه أبواب المجد، وشرّع له الأثير، وجعله حالة اعلاميّة، صرعة تتسابق الكاميرات إلى عرينه في أعزاز، كأنّه بطل قام بخدمة جليلة للبشريّة، لا قاطع طريق انجازه الوحيد المعروف أنّه مختطف أبرياء ومتاجر رخيص بحياتهم، باسم«الثورة». ذلك هو الاعلام ـــ مثل الثورة ـــ قادر على اجتراح المعجزات، واختراع الأبطال.
لكن، كيف انقلب السحر على الساحر، كما في حكاية «فرانكشتاين»؟ الخبر المفاجئ الذي تناقلته صفحات الفايسبوك والمواقع أوّل من أمس، قبل أن تؤكّده المحطّات التلفزيونيّة، بدا أقرب إلى نكتة عبثيّة جديرة بأحد مقالب غوّار الطوشة وحسني البورظان. «ثوّار أعزاز» ألقوا القبض «موقتاً» على فداء عيتاني. سرعان ما تعالت احتجاجات أنصار الثورة الخائبين. من نديم قطيش على تويتر: «اعتقال فداء عيتاني على أيدي الثوار، لا يليق بقيم الثورة ولا يليق بسوريا الجديدة. خطفه وصمة عار يجب (…) إطلاق سراحه الآن»، إلى عروة نيربيّة على فايسبوك: «أي عار! من يفعل هذا لا يؤتمن على شيء حتى يؤتمن على وطن. أول سلطة تحوزون عليها تجعل منكم مستبدين تعسفيين».
هذه المرّة، لا تقل«ضيفاً»، بل صحافياً في «الاقامة الجبريّة» و«لمدّة قصيرة». عصابة أعزاز ماهرة في التواصل، تقيم علاقة مرتاحة ورشيقة مع اللغة ومفرداتها. فهي لا تعتبر صديقها السابق من أعداء الثورة بعد، مع أنّ الشكوك تحوم حوله، وتحرّكاته بدت فجأة مشبوهة، بسبب ما صوّره من عمليّات، وقابله من «ثوّار». وإذا بزميلنا في وضعيّة المخطوف علي زغيب الذي كان أوّل ما صوّره لنا بالفيديو في«استوديو الثورة». تذكرون تلك اللقطة؟ «أنا علي زغيب. الضيف اللبناني عند الثوّار في حلب. تاريخ ٤/ ٨/ ٢٠١٢،
جمعة دير الزور، النصر قادم من الشرق». الآن يقف فداء بدوره أمام الكاميرا. لقطة الفيديو نشرت بلمح البصر على يوتيوب: «أنا الصحافي فداء عيتاني، أنا قيد الإقامة الجبريّة عند لواء عاصفة الشمال في أعزاز… وأنا منيح».
لكن بيت القصيد في مكان آخر. على صفحة الفايسبوك الثوريّة، نقرأ في بيان الاعتقال، أن «طريقة عمل (هذا) الصحافي لا يتناسب مع مسار الثورة (…) ولم يعد يلقى الموافقة على بقائه في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوّار». هذا بالنسبة إلينا ليس اكتشافاً. فالـ «ريبورتر» في هذه الحالات محاصر بين نارين: إما أن يهمل القارئ والمشاهد لحساب «حُماته»، أو أن يترك مسافة مع الواقع كما تقتضي المهنة، ويخسر بعض «السبقات الصحافيّة». فداء عيتاني صحافي حرّ، حرّ في أفكاره وحرّ في تحرّكاته. قد يخطئ مثلنا جميعاً، وقد يحسن أداء مهمته كقلّة وسط هذا الاعصار. لكنّه صحافي يؤمن بالحريّة، وله الحريّة في أن يعمل بالطريقة التي يراها مناسبة، ومن دون وصاية من أحد.
وأيّاً كان توصيف الدوّامة التي تلّفنا، وطريقة «النظر» إليها في الاعلام اليوم، فالآن وقت التضامن مع الصحافي المحتجز رغماً عنه، والمطالبة باطلاق سراحه فوراً. وفداء لحسن الحظّ سيعود، اليوم ربّما يقرأ هذه الكلمات ويهزّ برأسه. لكن السؤال المهني يبقى معلّقاً: كيف نصغي إلى الشعب السوري، رغماً عن أنف سجّانيه… على اختلاف أشكالهم؟
أصدر عدد من الناشطين والمثقفين والفنانين العرب واللبنانيين بياناً بعنوان «الحرية للصحافي اللبناني فداء عيتاني» جاء فيه: «نحن الموقعين أدناه، نعلن تضامننا الكامل مع الصحافي فداء عيتاني، ونطالب الجهة التي تحتجزه بالإفراج الفوري عنه؛ كما نحملها كامل المسؤولية عن سلامته الشخصيّة من أي أذى مادّي أو معنوي.
إننا، إذ نعلن موقفنا هذا، نؤكد ضرورة احترام حرية الصحافيين وحفاظ الأطراف جميعاً على حياتهم، سواء في الصراع الدائر في سوريا أو في أي مكان آخر.
إن الاعتداء على حرية الصحافة والصحافيين هو اعتداء على الحقيقة، وعلى حق الناس في معرفتها. ولذلك ندعو النظام السوري ومختلف جماعات المعارضة المسلحة إلى الالتزام بعدم التعرّض للصحافيين والإعلاميين تحت أي ذريعة كانت.
الحرية لفداء عيتاني
ولجميع الصحافيين والإعلاميين والنشطاء في سبيل الحقيقة
في سوريا وفي العالم أجمع».
(أسماء الموقعين على البيان)
23 تعليق
التعليقات
-
شر مطلقعم حاكيكم من سورية ومن قلب محروق صارأصحاب شعار الحرية عار على الانسانية هيدا موتنظير تعوا شوفوا جرائم عم ترتكب بأسم الحرية ومجازر بأسم حقوق الانسان, كل واحد عم يغطي هالجرائم بترف فكري ونزق وتشفي بآلام الشعب السوري إن شاءالله بيشرب من نفس الكاس ونحنا مامنحب الشماته بس التزوير عم نشوفه بعيونا،يا جماعة والله الجزيرة شرمـــــــــطلق
-
لازمة مالهاش لزوم.وانقلب حلم الانتفاضة السوريّة إلى كابوس حرب أهليّة (علماً أن النظام يتحمّل جزءاً أساسيّاً من المسؤوليّة في ذلك). أستاذ بيار, هالجملة فيها تناقض غريب! و إصرار لا بل امعان في تفصيل ما جرى في بداية الأزمة السورية على قياس امنيات قد تكون مشروعة! لماذا لا تمتلك انت و زملائك في "الأخبار" شجاعة انتقاد سلوك (عُصبَجي) دون ان تستلحقوه "بالاستغفار" و إضافة اللازمة المعهوده "النظام هو المسؤول...إلخ...إلخ"؟ سبق لأحدهم أن تكلم -ولا أريد أن أعيد ما قاله حرصاً على وقت القراء- عن لازمة أخرى كنت حريصاً على حشرها في مقالاتك و أظنه كان محقاً! اللازمة لم تعد تقتصر على الأغاني, بل تسربت للمقاله ايضاً!
-
لا فسرولنا اكثرطيب فهمنا انه ترك الاخبار لانه اعترض على خطها التحريري . ليه اعترض؟ كيف فداء قلب؟ مش على علمي فداء بيقلب ؟ ربما هنا لطشة ما .. لانني وكما عم اسمع مؤخرا ، معظم "الرفاق" عم يصيرو ملطوشين . من اليسار لليمين . انو واحد يساري ومش مع "اليسار الديموقراطي" بطلت معجب بسياسة 8 اذار والممانعين ، خليك يسار شو عم ياخدك للتانين . بكل الاحوال، بطيخ يكسر بعضو. الواحد عشو شاغل بالو بهيك قصص ، نفكر كيف بدنا ندفع فواتير وقروض. اخت هالبلد
-
هيدا فيلم لبناني قصير بس فاشلهيدا فيلم لبناني قصير بس فاشل فداء عيتاني عم يساعد أبو ابراهيم بحسن ضيافة الزوار اللبنانيين
-
من الممكن أن فداء عيتاني لممن الممكن أن فداء عيتاني لم يكن موضوعياًفي تغطيته للثورة السورية ...لكن يا عزيزي هل يملك هذا المقال المتضامن الشامت أي صفة موضوعية ؟ هل ما تزال بيار الذي نعرفه أم ان ما يجري في سوريا كشفك انت أيضاً ... يا ضيعانو فعلاً ضيعانك يا بيار ابي صعب
-
شو يعنيخاطف فداء عيتاني متخصص في خطف اللبنانيين, و يبدو أنه قد غاص عميقا في التفاصيل اللبنانية. لذلك فأنا لا أستغرب أن يخطف مرة من هذه الجهة, و مرة أخرى من الجهة المقابلة .. حفاظا على التوازن الطائفي في لبنان!
-
على قناة LBC شبه الأستاذ فداءعلى قناة LBC شبه الأستاذ فداء "أبو إبراهيم" بالشهيد عماد مغنية(!!), هل لا يزال مصراً على هذا التوصيف؟!!
-
ابو ابراهيم او ابو باسل؟!«طريقة عمل (هذا) الصحافي لا يتناسب مع مسار الثورة (…) ولم يعد يلقى الموافقة على بقائه في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوّار» أستاذ بيار, بشرفك, ما بذكروك بالحركة التصحيحية؟!! يعني شو راح أبو باسل و اجا أبو إبراهيم؟!!
-
لفتة طيبة من الأخبار مع مسحةلفتة طيبة من الأخبار مع مسحة خفيفة جداً من التشفي. ما علينا. السؤال هو لماذا لم نسمع عن مغادرة فداء وغيره للأخبار قبل الآن؟ لو أن عامل تنظيفات غادر الجزيرة لوجدناكم تنقلون الخبر ساخناً.
-
ورقة فداءفي يد فداء اليوم ورقة و في عنقه أمانة : "يا أبا إبراهيم, لن أترك ضيافتكم إلاّ مع ضيوفكم الآخرين من أبناء وطني". أعلم صعوبة الموقف و لكنّه ليس أصعب و لا أخطر من مواقف و أعمال فداء المهنيّة ناهبك عن بلسم يضمّض بعضاً من جرح صحفي و مثقّف انهارت قناعاته أو بعضها. و إن شاء الله نقرأ قريباً في الإعلام له و ليس عنه.
-
بلا شماتة بس بعد ما نسيتبلا شماتة بس بعد ما نسيت بس طلع عال البي سي وكان عمبدافع عن هالمجرمين وعشوي كان راح يبكي عليون دم.... بركيهلاء بيفهم انه هيدول مش ثوار....وانشاءالله يرجع بالسلامة بس بلبنان صايرين الاعلاميين مفكرين حالن صاروا الله ويا ويله اذا حدا تعرضلن ولو اذا كانوا غلطانين
-
يؤتمن على وطنصح النوم سيدة عروة: و كمان صح النوم لنا أكثر من سنة و نصف نهتف بالصوت العالي أن من يسمون أنفسهم ( و تسمونهم أنتم ) ثوار يقومون بكل أنواع الجرائم المرتيطة عادة بقطاع الطرق و باسم الثورية قتل و سرق و خطف الكثير من مخالفينهم الرأي ( هذه أخلاق طالبي الحرية ) و أغتصبت النساء و تم إهدائهن كسبايا ( هذه سوريا الجديدة ) وتم ضرب بعض البنى السورية لا يمكن الا أن يكون مستهدفها عدو لسوريا كبلد و ليس عدوللنظام القائم فيها. اذا كان هذا جزاء الصحفي المؤمن بهم فكيف الأمر مع من يختلف معهم؟؟؟؟ قلتولي حرية و سوريا الجديدة.
-
انت سألت وأنت تجيب يا سيد،انت سألت وأنت تجيب يا سيد، الشعب السوري يعد 25 مليونا وأنت وصديقك اخترت أبو ابراهيم، أصغو اليه جيدا، فهو الشعب السوري