«عن بلادنا التي تسير كالريح نحو الوراء...» | «مجاريح يا باسط مجاريح... مجاريح ع الثوار مجاريح»... كلمات خرجت من طفلة طلت وجهها بألوان علم سوريا وبنجمات ثلاث، راحت تصدح عالياً وسط ساحة مليئة بالأجساد المتماوجة. مجاريح، الأغنية التي عرفناها في فولكلورنا الشعبي اللبناني، اللحن نفسه لكن بكلمات أخرى. ما زلت أذكر عنوان الرابط «حمص البيّاضة فتاة تغني مجاريح».
يومها لم أكن أعرف البياضة، لا اسم الفتاة، ولا حتى الشاب الواقف قربها، عرفت «مجاريح» وغنّيتها معها. لاحقاً عرفت أن باسط هو عبد الباسط الساروت الذي كان واقفاً بجنبها، حفظت وجهه، وقرأت أخباراً عن البياضة وأهلها، وأصبحت أعرف حمص الساحة والهتافات. حمص التي كانت «نكتة» بالنسبة إلينا، حيث دعابات أهلها تدور في سهراتنا، تبدأ بـ»مرة واحد حمصي...» وتنتهي بالضحك. حمص التي أصبحت مكبّراً صوتياً وشاباً يصرخ «أني طالع اتظاهر ودماتي بإيديا وان جيتك يمه شهيد لا تبكين عليا»، لم تعد حمص دعابة بل أصبحت الحكاية «مرة واحد حمصي راح يتظاهر ورجع ميت...».
هكذا تعرفت إلى الثورة، أغنية، هتافاً، أجساداً تموج في الساحات متكاتفة تميل مع صرخاتها، كانت الثورة حنجرة يصلنا صوتها نحن الذين نتفرج عليها. يد تدوّن وحناجر تصدح، لا مؤلف وتسجيلات استديو. أتحدث عن عامي 2011-2012، عن حمص ودرعا وحماه، عن ألحان عرفناها في سهراتنا، عن كلمات عكست الواقع السوري بكل ما حمله من مفردات وأدعية وصلوات، من تكبير ولعنات، حتى الشتائم تم تلحينها، وصرخوا حتى ثقبت حناجرهم «يا الله مالنا غيرك يا الله». كان المدى واسعاً يصلح لأصواتهم، ظنوا أن الله يسمعهم والعالم سيتحرّك من أجلهم، كانت الساحات تكتظ بهم هاتفين بفرح، بغضب، بأسى، بعتب. لم تكن سمفونية وعبارات منمقة، كانت شعبية بكلمات بسيطة كحلم أطفالهم بالحرية، أطفالهم الذين رفعوا على الأكتاف خلال التظاهرات وغنوا معهم «يا حمص حنا معاكي حتى الموت» و» يا حماه سامحينا ولله حقك علينا».
عرفت الثورة السورية أيقوناتها الغنائية، مع أغنية «جنة يا وطنا». أحببت الساروت كمعظم السوريين الذين رددوا معه «يا شهيد بلادي يا ياسمين وجوري.. حتى نارك جنة». الشاب الرياضي الذي حمله السوريون على أكتافهم وأصبح رمزاً لثورة تغنّي مقابل رصاص يضرب. عرفت القاشوش التي زُرعت حنجرته في كل سوريّ ثم انتزعت ودارت حولها الحكايات، وككل السوريين عرفت أن هناك ظالماً قادر على انتزاع الحناجر وحماه كانت شاهدة. أعادت الثورة التراث السوري الذي أعيد توزيعه بكلمات عبّرت عن جزء وافر من الواقع وعما يريده السوريون، عن أصابع نصر ترفع وعن حمزة وهاجر ودم الشهداء. في السابق، وصلتني الهتافات السورية ملتصقة بعهد البعث الخالد، وما ألّف كان رتيباً غنّاه مطربون سوريون ولبنانيون، لكن أغاني الثورة جاءت مختلفة، حتى البكائيات التي كنا نرددها ونحن نعمل التوابيت رددها السوريون بأمل وهم يغنون “سكابا يا دموع العين سكابا على شهدا سوريا وشبابا» الأغنية التي أصبحت هتافاً ليلياً في الساحات قبل أن تتحول إلى مقابر. أتحدث عن عامي 2011-2012 عن حلقات الدبكة، الأيادي التي صفقت، عن الرجال والنساء والأطفال، عن هتافات الملاعب التي نُقلت الى التظاهرة، عن «حمص لا تهتمي بفديكي بروحي ودمي» على لحن «فطوم فطوم فطومة» المعروف في التراث السوري. اتحدث عن الشيوخ بكوفية وعصا، وقد استعادوا أغاني تعود الى حقبة العثمانيين والفرنسيين، وبأصواتهم العميقة هتفوا «زيّنوا المرجة والمرجة لينا» و«يا ظلام السجن خيّم». أتحدث عن سميح شقير السوري، بعد أن خلع العباءة الفلسطينية المزروعة في ذهني وغنى «يا حيف»، يا حيف التي حملت الوجع والخيبة، يا حيف على ما حصل في درعا حيث قتل المئات لأنهم صرخوا للحرية، وكأنّ امرأة متشحة بالسواد تنوح «يا حيف .. زخّ رصاص على الناس العزّل يا حيف.. وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف؟».
يوم ثار السوريون بدت بلادهم أجمل، أرادوا أن يستردّوا كل ما سُلب منهم، حتى أغانيهم والهتافات، استردوا صوتهم وحناجرهم التي صرخت عالياً... «يلي بيقتل شعبو خاين»، وما زال هذا الشعار صالحاً حتى هذه اللحظة.
7 تعليق
التعليقات
-
كيوم "ثار" الأوكرانيون 1في معنى `العناد` أنه : <اضطراب وظيفيّ عقليّ يتميّز بانحصاره في موضوعٍ واحد>, وكذلك فإن `العنيد` هو من : <خالف الحقَّ وهو عارف به لإشباع نزوات أو ميول شَخْصيَّة>, وكثيرا ما يكون سبب العناد هذا أو رفيقه `الغرور`, فيتعاونان بسهولة ويسر على إعدام فضيلة `الرجوع عن الخطأ`, وبتشويه الحق وتزيين الخطأ كإضافة إذا كان هذا `العنيد` مثقفا فصيحا مفوها.. -عندما شاهدت بالأمس كما شاهد العالم كله, المفكر الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي وهو يخطب في جمع من النازيين الأوكرانيين "الثوار", محرضا إياهم على "نيل حريتهم من الدكتاتور الروسي", تذكرت طبعا/فورا كما يتذكر افتراضا من {أراد أن يَذَّكَّرَ..} خطبه العصماء أول من أمس في "ثوار" ليبيا ثم سوريا, فقلت في نفسي : `ايه لم الشامي عالمغربي؟`, "ايه لم اليهودي عالنازي؟", "ايه لم الصهيوني عالعربي؟".., "الحرية" أليس كذلك؟! ولكن أنا متأكد من أن ليس كل "الأجساد التي تماوجت متكاتفة" في ساحة ميدان في كييف أيام "الثورة" على وقع "يا شبه جزيرة القرم حنا معاكي للموت" (أو شيء بالأوكراني من هذا القبيل!) وبقية الأغاني والأناشيد الحماسية العاطفية الملائمة المواكبة للحدث من الفولكلور الأوكراني (شو كاينين بدن يغنو بحمص يومها يعني؟ دون جيوفاني مثلا؟ إنو لشو الإنبهار والتعظيم مثلا؟!) كانت "أجسادا نازية", هناك "أجساد" أنزلها إلى الساحة أو ربطها عاطفيا بها <أغنية، هتافاً، أجساداً تموج في الساحات متكاتفة تميل مع صرخاتها>
-
ﺍﺥ وليﺭﺡ ﻣﻮﺕ .. ﻣﻌﻠﺶ ﻣﻦ ﺍﺩﺭﺓ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺗﺨﻠﻴﻨﺎ ﻧﺤﺴﻦ ﻧﺤﻄ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻧﻮﺩﻭﺯ ﻛﻜﻞ ﻟﺎﻧﻮ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻫﻠﻜﺖ ﻟﺴﺎ ﻛﻞ ﻣﻘﺎﻝ ﻟﺤﺎﻟﻮ ﺑﺪﻱ ﺍﻓﺘﺤﻮ ﻭﺣﻄ ﺗﻌﻠﻴﻘﻲ ﻋﻨﺠﺪ ﺷﻲ ﺑﻴﻤﻮﺕ ﻣﻦ الضحك
-
انت مين لحتى تحكي بلسانانت مين لحتى تحكي بلسان السوريين ???
-
تصادف ان هذه الجريدة التيتصادف ان هذه الجريدة التي احترم في يوم واحد نشرت اكثر من مقال عن الثورة السورية المزعومة والتي تتبنى وجهة نظر واحدة.وتعيد اجترار ماكان يتبناه اعلام التحريض والذي كان اهم اسباب اشتعال الازمة.لم تكن يوما هذه الاغاني السابقة اغاني الا امام الاعلام الذي تبناها .وخلف شاشة الاعلام كانت الطاءفية اهم اسباب توحد هذه المظاهرات..سوريا كلها تالمت ليس فقط طرفا دون اخر.من بداية الحراك المزعوم تم خطف كل شخص مؤيد صادف مروره في منطقة معارضة وذبح...وبعدها يتم تصويره على انه مدني قتله النظام...كثيرة هي الدماء التي اراقتها ماتسمى المعارضة منذ بداية الاحداث..ضد مدنيين مؤيدين للنظام...او للدولة بشكل اصح..وفي الاغلب على اساس طاءفي ...بكلام دقيق جميع السوريين خسروا في هذه الحرب..وان بقينا نتجادل وعمن يقف الحق فيجانبه...المهم الآن ان يتصالح السوريون...هذا هو المهم والاهم...ياصاحب المقال السابق ان كان لديك كلام خير فقل
-
كأن المقالة تاهت في البريد شيكأن المقالة تاهت في البريد شي تلا اربع سنين ثم وصلت فجأة
-
للأسف سرقوا الثورة وسرقواللأسف سرقوا الثورة وسرقوا أحلامنا وصرنا بعاد كتير وتغيرت حياتنا وفقدنا وخسرنا كتير.... بس يمكن لسه في امل شكرا الك المقال رائع
-
كان وكان ... صار وصاروبعدين ؟! إن كان ما حصل ثورة، فهذه الثورة تمت سرقتها من زمان! التبريرات والعودة إلى لحظة الأحلام الوردية والعيش فيها لن يفيد أحد. يجب معرفة أن سوريا تدمرت على وقع أحلام الثوار. إما أن تتوقفوا عن الحلم المدمر لما تبقى من سوريا، وإما أن تستمروا في لعب دور البريء، وهو دور فاشل حقيقة! وإن كان ما حصل ليس بثورة، فعليكم الاستيقاظ من حلمكم الوردي. أعرف أنه صعب، ولكن لا حل آخر. البلد ضاعت وراحت، وبلدان أخرى سيقتنا وتهدمت واندثرت وتقسمت وتشرذمت، وأنتم ما تزالون تعيشون أحلامكم الوردية عن الثورة والحرية!