البيت الأبيض: ما زلنا نعتبر «جبهة النصرة» إرهابية لكننا نجري تقييماً لوضعهاقرار فك الارتباط ليس جديداً. حتّى إن غسل اليد من عبء الاسم موجود لدى قيادة «القاعدة» الأم منذ سنوات، بحسب ما كشفت الرسائل السرية التي أفرجت عنها الاستخبارات الأميركية، والتي تُظهر أنّ أسامة بن لادن كان يخطط لتغيير اسم «قاعدة الجهاد»، لكونه ارتبط بأعمال إرهابية شوّهت صورته. أما في الميدان السوري، فإن الفكرة قائمة منذ أُجبرت «جبهة النصرة»، بضغط من أبي بكر البغدادي، على كشف تبعيتها لتنظيم «القاعدة» عام ٢٠١٣. أُحرج التنظيم وحوصر داخلياً ودولياً، وضُيّق عليه اقتصادياً بعد قطع تنظيم «الدولة» إمداداته عنه. لكنه رغم ذلك، استطاع أن يَثبُت وحده في الميدان السوري. كان التنظيم الأول من دون منازع في مقابل الجيش السوري وحلفائه. خلال السنتين الماضيتين، حاولت «النصرة» الذوبان في ائتلاف فصائل سمّوه «جيش الفتح». خطة «النصرة»، والدول الداعمة للمعارضة السورية، كانت تقضي بإبعاد صبغة «القاعدة» المرتبطة بالإرهاب العالمي عن المعارضة المسلحة، لا سيما أنّ «النصرة» تمثّل وحدها رأس الحربة الأقوى في الميدان السوري. لم تنجح الخطة، بقيت «الجبهة» الجزء «الإرهابي» ضمن «جيش الفتح» المصنّف معتدلاً دولياً.
لم يبق أمامها سوى الخروج من عباءة «القاعدة». لكن كيف؟ هل يكفي إعلان فك الارتباط؟ وهل لدى قيادة «القاعدة» أو فرعها السوري اقتناع بأنّ المجتمع الدولي سيصدّقها؟ الجواب قطعاً لا. قيادة «النصرة» تعلم يقيناً أنّ المصلحة مشتركة بينها وبين المجتمع الدولي، وأنّ سمة «القاعدة» تقف عائقاً. وبالتالي، باتخاذها قرار فك الارتباط هي تعين المجتمع الدولي وتعين نفسها في مواجهة النظام السوري. المجتمع الدولي يحتاج إلى «النصرة» كفصيل أساسيّ للتغيير في المعادلة الميدانية السورية، إذ لا وجود لأي قوّة يعوّل عليها للمواجهة. وقد باتت الدول بحاجة ماسة إلى هذه القوة لإحداث التغيير، لكنها في الوقت نفسه محرجة بسبب اعتبارها إرهابية. وفي المقابل، تقف «النصرة» وحيدة في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» من جهة والنظام السوري وحلفائه من جهة ثانية. وبالتالي، لا فرصة لها سوى بمساعدة دولية لتحقيق مكتسبات سياسية وتحويل الصمود الميداني استثماراً في السياسة. وأمس، لم يكد يُبثّ تسجيل الجولاني حتى خرج متحدثٌ باسم البيت الأبيض يقول: «ما زلنا نعتبر النصرة منظمة إرهابية رغم تغيير اسمها. وتغيير النصرة اسمها لا يعني أنّها غيّرت أهدافها. وجبهة النصرة بمسمّاها الجديد لا تزال هدفاً للقوات الأميركية والروسية». ثم أضاف، «لدينا مخاوف متزايدة من قدرة النصرة على مهاجمة الغرب، وما زلنا نجري تقييماً لوضعها». وبالكلمة الأخيرة، تركت أميركا الباب مفتوحاً أمام «النصرة».
خطوة فك الارتباط التي جاءت بحسب الجولاني «نزولاً عند رغبة أهل الشام في دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي»، لم تغيّر شيئاً في أهداف «النصرة» العامة التي عدّدها «الفاتح». اختفى فقط شعار إقامة «خلافة على منهاج النبوة»، ليبقى «العمل على إقامة دين الله، وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين الناس»... لكنه أضاف هنا: «تحقيق العدل بين الناس. كل الناس».
إنسرت:
هل يقع انشقاق في «النصرة»!؟
لن يكون سهلاً على جهاديي «جبهة النصرة» فكّ ارتباطهم بتنظيم «القاعدة». المعلومات تكشف أنّ قيادات وعناصر في التنظيم بصدد تركه أو الانشقاق عنه. ورغم استبعاد المصادر التحاق عناصر «النصرة» المعترضين بتنظيم «الدولة الإسلامية»، ورغم اقتناع كثيرين في صفوف التنظيم بأنّ فك الارتباط شكلي، وأنّ الجوهر الجهادي باقٍ على ما هو عليه، تُرجّح المصادر أن يتحوّل التنظيم إلى تنظيمين. تنظيم يؤيّد فك الارتباط مع أصله الجهادي، وآخر يتمسّك بامتداده وارتباطه بـ«قاعدة الجهاد»، رغم مباركة القيادة لهذه الخطوة، لا سيما أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء يرفض أصلاً المساومة مع «الطاغوت»، ويرون أنّ ما قام به الجولاني إذعان لضغوط «الطاغوت». وبالتالي، تُرجّح المصادر أنّ تقع اشتباكات بين عناصر وقيادات «النصرة» المنقسمة على نفسها. وهنا تكمن الفرصة أمام «جبهة فتح الشام» لكي تُقدّم أوراق اعتمادها للمجتمع الدولي للقبول بها فصيلاً معتدلاً يواجه المتطرفين.