ما عاد الميسورون وحدهم أسياد الكراسي (مروان بوحيدر)
لم يعد الـ«بريستيج» مهماً. أفخم المقاهي والمطاعم لا تتحرّج من الجهر بـ«عروضاتها» لاجتذاب الزبائن: «بيتزا + بيبسي بـ10000 ليرة» و«شاورما عالصاج + بطاطا + بيبسي بـ10000 ليرة»! أصحاب مطاعم الوسط ومقاهيه اتفقوا على خفض الأسعار بعدما انتظروا طويلاً، من دون طائل، عودة «عجقة» ما قبل سنة 2005. في تلك الحقبة كان أبناء «الأطراف» يُراقبون، مِن بعيد، أحوال المرفّهين هناك. مَن كانت أحواله «على قده» ويزور المنطقة، فغالباً لمجرّد التجوال، لمعاينة نمط حياة مختلف، أو لمشاهدة كيف يعيش الأثرياء... جوّالو الأمس باتوا اليوم يجلسون في أفخم المقاهي، ينفثون دخان «الأراكيل»، ويرتشفون، بثقة المنتصر، القهوة التي كان يُضرب المثل بغلائها.
«رجع السوق يمشي»، يقول سامر، مدير أحد المقاهي. لكنه لا يبدو سعيداً تماماً. فـ«الزبائن الآن غير الزبائن السابقين. قدراتهم الشرائية اختلفت». وهو محقّ في ذلك. إذ تغيب العباءات البيضاء التي لطالما تسيّدت المكان قبل 2005. زبائن اليوم جلّهم مِن اللبنانيين. بيارتة، مِن قلب بيروت، ومِن الضواحي أيضاً. الهويّة «الطبقيّة» لـ «الوسط» تتغيّر إلى حد ما، وإن ليس جذريّاً بالتأكيد، فالمنطقة لم تصبح «شعبية» بعد، وهذه أمور لا تحصل بين ليلة وضحاها.
السيّاح الأجانب، على قلتهم، ما زالوا يأتون، وبعض «الميسورين» كذلك. إلا أنّ هؤلاء ما عادوا هم أسياد تلك الكراسي المنتشرة في تلك الأزقة الفاخرة. ثمّة من جاء يُشاطرهم المكان، كما كانت الحال قبل الحرب الأهليّة. مَن قال إن ليس للأزمات الاقتصاديّة إيجابيات؟
تظاهرات ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء بعد اغتيال رفيق الحريري، واعتصام المعارضة المفتوح أواخر عام 2006، كانت بداية التحوّل في ظاهرة الـ«داون تاون». صحيح أنّ فؤاد السنيورة لم يسقط مِن رئاسة الحكومة، لكنّه كان يُشاهد، يوميّاً، مِن شبّاك مكتبه في السراي خلو شوارع «سوليدير» إلا مِن الغاضبين. الحركة التجاريّة ــــ السياحيّة، في تلك المرحلة، أصيبت بـ«نشفان»، لكنّ المنطقة بقيت تحتفظ بهويّة الطبقة الثريّة، ولم يُبادر الفقراء، أو «العاديّون» عموماً، لغزوها كزبائن. هذا يحصل الآن، بعد يأس أصحاب المحال هناك من «رزقة» الذين ما عادوا يأتون.