ثالثاً، رفض المحتجين والمعارضة تولي المرحلة الانتقالية مِمَّن يعتبرونهم من أفراد الدائرة المقربة من بوتفليقة، والتي هيمنت على السلطة لسنوات (ربما منذ بدء الولاية الرابعة الأخيرة لبوتفليقة)، إلى أن وصفها رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، أخيراً بـ«العصابة»، رغم أن الدستور يقيّد صلاحيات «الرئيس المؤقت» بما يضمن عدم تماديه في الحكم؛ فهو لا يمكنه إعلان حالة الطوارئ أو إعلان الحرب أو توقيع اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلام، كذلك لا يمكنه إصدار عفو أو خفض العقوبات أو استبدالها أو دعوة الشعب إلى استفتاء أو التشريع.
يقيد الدستور صلاحيات «الرئيس المؤقت» بما يضمن عدم تماديه في الحكم
رابعاً، أن المادة 102 تفرض الذهاب إلى انتخابات رئاسية في ظرف ثلاثة أشهر، بإشراف حكومة نور الدين بدوي الحالية، التي تمنع أيضاً تعديلها أو إقالتها، فيما بات المتظاهرون يُحمّلونها مسؤولية التعاطي غير المسبوق لقوات الأمن مع مسيرات الطلبة أمس، حين استخدمت خراطيم المياه، وذلك بعد يوم من إرسال وزير الداخلية، صلاح الدين دحمون، إلى المدير العام للأمن الوطني، عبد القادر بوهدبة، تعليمات يأمره فيها بمنع تنظيم المسيرات في العاصمة خلال أيام الأسبوع، ما عدا الجمعة. خامساً، كون التطبيق الحرفي والكلي للمادة 102 من الدستور يستبعد المادتين 7 و8 اللتين طالب بهما قايد صالح، وتنصان على أن السلطة تُستمدّ من الشعب. سادساً، وقوع تزوير علني في العدد الرسمي لأعضاء البرلمان، إذ أُعلن بن صالح رئيساً بتصويت 487 عضواً بدلاً من 606 أعضاء، فيما قاطعت الكتل النيابية للأحزاب المعارضة جلسة البرلمان.
وبعد الصدمة التي خلّفها تعيين بن صالح، اتجهت الأنظار إلى قايد صالح، لكنه اكتفى بتأكيد «حق الشعب في الاطمئنان إلى حاضر بلاده وإلى مستقبلها»، وهو تصريح يفتح مجال التأويل واسعاً، بحسب مراقبين رأوا أن الرجل أراد اختبار الحل الدستوري قبل الذهاب إلى حل آخر، خصوصاً أن ظهوره أمس كان لأول مرة منذ إعلان استقالة بوتفليقة، كما لو أنه أراد تمرير «المسار الدستوري» من دون أن يكون هو في الواجهة، على أن يتدخل خلال الأيام المقبلة لفرض حل سياسي، بعد أن يكون الحل الدستوري قد استنفد إمكاناته.
لكن ما هي الحلول الممكنة الآن؟ تبقى مسألة استقالة بن صالح حلاً لامتصاص غضب الشارع. حينها سيضطر نواب البرلمان إلى انتخاب شخصية توافقية غير محسوبة على النظام، لتولي منصب رئيس مجلس الأمة، وقيادة المرحلة الانتقالية، على أن يتبع ذلك تشكيل حكومة تكنوقراطية تحظى بموافقة الشارع، وهيئة مستقلة للإشراف على تنظيم الانتخابات، أو الركون إلى مطلب المعارضة، أي الاتفاق على «هيئة رئاسية» أو شخصية مقبولة من الجميع تقود المرحلة المقبلة. وهو ما جدد حزب «العمال» الدعوة إليه في بيان أمس، اعتبر فيه أن «مجلساً تأسيساً وطنياً مكوناً من ممثلين حقيقيين تفوضهم مختلف مكونات الشعب»، هو «المؤهل» لإدارة المرحلة الانتقالية. أيضاً، يبقى الحل السياسي وارداً، بحسب ما أشار رئيس حركة «مجتمع السلم»، عبد الرزاق مقري، الذي دعا إلى استمرار «الحراك الشعبي إلى أن يستقيل (بن صالح)، ثم يستقيل بعده أو معه أو قبله (رئيس المجلس الدستوري الطيب) بلعيز، عندئذ سنكون في وضعية لا تُحَلّ إلا بإسناد مواد الدستور بالتدابير السياسية، من خلال الحوار».