في المقابل، وُضع الرهان على الولايات الداخلية التي يكون الإقبال فيها مرتفعاً عادة، مقارنة بالعاصمة والولايات الكبرى مثل وهران غرباً وقسنطينة شرقاً ومنطقة القبائل، والتي شهدت إقبالاً ضعيفاً حتى في الانتخابات السابقة التي لم تكن تعرف مثل هذا الانقسام، وبالتالي فإن المقاطعة الواسعة فيها كانت متوقّعة. لذا، صُوّبت كاميرات التلفزيون العمومي ناحية الولايات المعروفة بنسب تصويتها العالية، من أجل تقديم صورة مقبولة عن حالة الإقبال على الصناديق. لكن بعض النشطاء على مواقع التواصل نشروا لقطات قالوا إنها تعود إلى انتخابات سابقة وتم إظهارها في بعض القنوات على أنها خاصة بهذه الانتخابات. أما بالنسبة إلى الفئة العمرية للمصوّتين، فقد ظلّ كبار السن أوفياء لعملية الانتخاب، شأنهم في ذلك شأن المنتمين إلى الإدارة والأسلاك الأمنية الذين يمثلون في العادة الكتلة الناخبة التي تراهن عليها السلطة في رفع نسبة المشاركة وفي توجيه الانتخابات ناحية المرشّح الذي تريد. مع ذلك، لم يظهر هذه المرّة توجّه واضح إلى مساندة مرشح معين من بين المرشّحين الخمسة، إلا أن أحاديث كثيرة أثيرت عن نية أصحاب القرار دعم المرشّح عز الدين ميهوبي، الأمين العام بالنيابة لـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، أو عبد المجيد تبون، الوزير الأول السابق. ووصلت عدة شكاوى إلى سلطة تنظيم الانتخابات تخصّ شكوكاً في وجود تزوير لصالح ميهوبي بتوجيه من رؤساء بعض البلديات، ما تسبّب بمضايقة المرشحين الآخرين، الذين لم يدلوا - مع هذا - بأيّ تصريحات تطعن في العملية الانتخابية.
أشارت الأصداء الأولية إلى تركّز المنافسة بين تبون وميهوبي
وعلى مستوى المرشّحين، أشارت الأصداء الأولية إلى تركّز المنافسة بين تبون وميهوبي، وبدرجة أقلّ المرشح المنتمي للتيار الإسلامي عبد القادر بن قرينة. وفي حال تأكّد ذلك في النتائج الرسمية، فسيشكّل خيبة أمل كبيرة بالنسبة إلى المرشّح علي بن فليس، الذي سبقت له منافسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات 2004 و2014. وكان بن فليس قد تعرّض في الأيام الأخيرة لحملة مضادة قوية، بعد اعتقال أحد العاملين في حملته الانتخابية بتهمة التخابر مع دولة أجنبية، ثمّ إصدار نيابة إحدى محاكم العاصمة بياناً تؤكد فيه وقائع خطيرة ضدّ هذا الشخص وارتباطه بالمرشح بن فليس، ما اضطر الأخير إلى الخروج ببيان يشكو فيه من حملة تستهدف تشويه شرفه وشرف عائلته قبل ساعات من يوم التصويت. ويُتوقع، وفق بعض التحليلات، الذهاب إلى دور ثانٍ من الانتخابات، لمحاولة إضفاء مصداقية على العملية، في ظلّ التشكيك الواسع الذي يطاولها. وفي حال حدث هذا، سينتظر الجزائريون 15 يوماً أخرى من أجل معرفة رئيسهم المقبل الذي سيطوي صفحة 20 سنة من حكم الرئيس السابق. واللافت أن بوتفليقة، على رغم الإطاحة به من الحكم، لم يتخلّف عن يوم الانتخابات، بل حرص على أن يكلّف شقيقه، ناصر بوتفليقة، بالتصويت مكانه، في رسالة منه رآها كثيرون استفزازية، بعد فضائح الفساد الكبرى التي تورّط فيها رموز فترته، والذين تمت محاكمتهم هذا الأسبوع.
وعلى رغم تسويق هذه الانتخابات كحلّ للأزمة السياسية الحالية، إلا أن هناك خشية كبيرة من أن تزداد حدّة الشرخ في المجتمع الجزائري، ما يهدّد بإعادة الوضع إلى نقطة الصفر. وتُعدّ انتخابات عام 2019 الخامسة في تاريخ التعددية السياسية في البلاد، بعد انتخابات سنوات 1995 و1999 و2004 و2008 و2014، إلا أنها تأتي في وضع استثنائي عقب حراك شعبي أطاح حكم الرئيس بوتفليقة، وظلّ حتى يوم أمس متمسّكاً برفض الانتخابات التي يرى أن الهدف منها هو إعادة ترميم النظام الحاكم.