ومن بين الالتزامات السياسية الأخرى التي تعهّد بها تبون، العمل على «إعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة من خلال قانون الانتخابات الجديد، الذي يحدّد شروط الترشّح للمناصب بوضوح». ووعد، في هذا الصدد، بأنه «سيتمّ تجريم تدخل المال الفاسد في العمل السياسي، وشراء الأصوات والذمم، حتى يتمكن الشباب، وخاصة الجامعيين منهم، من الحصول على فرصة الترشّح، على أن تكون حملتهم الانتخابية من تمويل الدولة لحمايتهم من الوقوع فريسة في يد المال الفاسد». ويُشير الرئيس الجديد، بذلك، إلى إنهاء ما كان يجري في الفترة السابقة التي شهدت وصول رجال أعمال إلى البرلمان، بعضهم في السجن حالياً، عبر شراء الأصوات. ولم يعطِ تبون تصوّراً واضحاً بشأن مصير البرلمان الحالي، الذي يمتلك بصفته رئيساً للجمهورية صلاحية حلّه وفق ما ينص عليه الدستور القائم اليوم. لكن ظهرت إشارات ضمنية إلى عدم وجود حماسة للمؤسسة التشريعية بتركيبتها الراهنة، من خلال استبعاد النواب من حفل تنصيب الرئيس الجديد، على غير ما جرت عليه العادة. ويتشكل البرلمان الحالي من أغلبية يقودها حزب «جبهة التحرير الوطني» الذي ساند المرشّح الآخر في الرئاسيات عز الدين ميهوبي، على الرغم من أن تبون عضو في اللجنة المركزية لهذا الحزب. وعليه، سيُطرح سؤال كبير في الأيام المقبلة عن الأغلبية التي سيحكم بها تبون في البرلمان، ولا سيما أنه قرر عدم إنشاء أيّ حزب سياسي يمثله.
أكد الرئيس الجديد مواصلة اعتبار قضية الصحراء الغربية «عملية تصفية استعمار»
وفي الجانب الرمزي، قرّر تبون سحب لفظ الفخامة من اللقب الذي يطلَق على رئيس الجمهورية، والاكتفاء بمناداته بـ«السيد الرئيس». ولاقى ذلك ترحيباً من بعض الجزائريين، لكونه يكرّس قطيعة معنوية مع فترة بوتفليقة التي طغى فيها تقديس شخص الرئيس، إلى درجة حمل صورته وتكريمها في المناسبات العامة بعد المرض الذي أقعده في بيته. لكن في المقابل، اعتبر آخرون أن هذا القرار «الشعبوي» لا يُغيّر من كون شرعية تبون «منقوصة» بفعل المقاطعة الواسعة للانتخابات.
أما في ملف السياسة الخارجية، فوجّه الرئيس الجديد رسالة إلى الجار المغربي، من خلال تأكيده مواصلة اعتبار قضية الصحراء الغربية «عملية تصفية استعمار» ترعاها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، معتبراً أن هذه القضية «ينبغي أن تظلّ بعيدة عن تعكير العلاقات مع الأشقاء». وأكد أن الجزائر ستسهم بكلّ قواها في حلّ الأزمة الليبية. وفي ما يتعلق ببقية القضايا العربية، قال تبون «إننا نتطلّع بشوق إلى رؤية أشقائنا في سوريا والعراق واليمن وقد تجاوزوا محنتهم»، فيما أفرد حيّزاً كاملاً للقضية الفلسطينية، التي شدد على أنها ستبقى من ثوابت السياسة الخارجية للدولة الجزائرية، داعياً المجتمع الدولي إلى «تحمّل مسؤوليته التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يواجه قوة استعمارية غاشمة، وذلك بتطبيق كلّ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالشرعية الدولية».
وبعد إلقائه خطابه في قصر الأمم، انتقل الرئيس الجديد إلى مقرّ الرئاسة في قصر المرادية، حيث جرت هناك مراسيم تسليم وتسلم بينه وبين رئيس الدولة المؤقت. وتلقى تبون، في أولى مهامه كرئيس للجمهورية، خطاب استقالة الوزير الأول نور الدين بدوي، الذي ظلّ الحراك الشعبي يطالب برحيله باعتباره واحداً من رجالات الرئيس السابق وشقيقه. وأعلنت الرئاسة، عقب ذلك في بيان، تعيين وزير الخارجية الحالي صبري بوقادوم وزيراً أول بالنيابة، مع الاحتفاظ بالطاقم الوزاري الحالي حتى تأليف حكومة جديدة. واستُثني من هذا القرار وزير الداخلية صلاح الدين دحمون الذي أُنهيت مهامه، بشكل بداً مقصوداً من الرئيس الجديد، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة لدحمون، والتي اعتُبرت مهينة في حق الحراك الشعبي، وتسريب معلومات عن أنه كان يساند عبر الجهاز الإداري الذي يتحكّم فيه المرشّح الآخر للرئاسيات عز الدين ميهوبي.
وتدور أخبار كثيرة حول حكومة تبون الجديدة، التي يُستبعد أن تكون سياسية في الظرف الحالي، إذ يفترض أن تقودها شخصية تكنوقراطية ذات أولويات سياسية واقتصادية مستعجلة. وكان تبون قد دعا، في ردّه على سؤال عن طريقة تعامله مع الأزمة السياسية، إلى الحوار مع ممثلي الحراك الشعبي، وهو ما لاقى ردود فعل متباينة لدى الأحزاب والشخصيات الفاعلة التي لم تشارك في الانتخابات. وفيما طرح بعض الأحزاب شروطاً للحوار مع تبون، وفي مقدّمتها إطلاق سراح سجناء الرأي الذين يُعدّون بالمئات، وفتح الإعلام أمام المعارضة، ووقف التضييق على حرية التظاهر، كإجراءات تهدئة تظهر وجود نية فعلية للتجاوب مع بقية المطالب قبل الجلوس على طاولة الحوار، اتخذ آخرون موقفاً راديكالياً من الرئيس الجديد، ودعوا إلى مواصلة التظاهر من أجل رحيل كلّ رموز النظام الحالي.