تكشف المعطيات هشاشة الوضع الميداني، واستعداد طرفَي النزاع للتصعيد العسكري
لكن الوقت لا يزال مبكراً للجزم بنجاح المؤتمر، وخصوصاً أن ثمة العديد من الإشارات السلبية. ففي ما يبدو تصعيداً ميدانياً، أعلنت قبائل في شرق ووسط ليبيا، أمس، نيّتها قطع إمدادات الدفع حتى لا تذهب موارده إلى حكومة «الوفاق». وعلى رغم أن سلطات شرق البلاد لم تتبنَّ هذا التهديد، إلا أنها لم تُدِنه. وبالنظر إلى سطوة حفتر في مناطق تلك القبائل، فالظاهر أنها تتحرك بتوجيهات منه، كي يبقى تهديدها ورقة يمكن استخدامها في المستقبل القريب. وعلى النحو ذاته، أعلن مدير إدارة التوجيه المعنوي التابع لقوات حفتر، خالد المحجوب، عن مجموعة من الشروط لقبول التوقيع على اتفاق يُنهي القتال. وقال المحجوب، في حوار صحافي، إن الشرط الأهم هو تفكيك المجموعات المسلحة الداعمة لحكومة «الوفاق» وتسليمها أسلحتها، على أن يتمّ ذلك في فترة زمنية محددة، مضيفاً أنهم لن يقبلوا بمسار مشابه لمؤتمر «الصخيرات».
علاوة على ما تقدّم، تبدو الإمارات ومصر غير راضيتين عن الوجهة التي يقود إليها مؤتمر برلين. وتأكيداً لما كان تَسرّب يوم الثلاثاء، ذكر رئيس «المجلس الدولة للأعلى» التابع لـ«الوفاق»، خالد المشري، في حوار مع تلفزيون محلي، أن السفارة الإماراتية في روسيا «دفعت بقوة لعرقلة وقف إطلاق النار». ولفت المشري إلى أن «أطرافاً خليجية كانت حاضرة في مفاوضات (موسكو)، من بينها القائم بأعمال السفارة الإماراتية لدى روسيا». في هذا الوقت، لم تتوقف حكومة «الوفاق» عن الحشد عسكرياً. وأفاد خبراء عسكريون، أمس، بأن أنقرة نشرت نظام دفاع جوّي في مطار معيتيقة الدولي في طرابلس. ويبدو النظام موجّهاً لحماية الطائرات القادمة من تركيا، والتي تحمل أسلحة ومقاتلين من الجماعات السورية المسلحة الموالية لتركيا، تجاوز عددهم 1700 مقاتل وفق مصادر سورية. ويحمي نظام الدفاع الجوي أيضاً الطائرات المسيّرة القتالية، التي أعادت تركيا نشرها في ليبيا بعد تدمير أغلب الدفعة الأولى التي وصلت إلى هناك في الأشهر الماضية.
تكشف هذه المعطيات هشاشة الوضع الميداني، واستعداد طرفَي النزاع للتصعيد العسكري مرة أخرى، وهو ما تردّد صداه في تصريح لوزير الخارجية الروسي أمس، حذّر فيه من «التفاؤل المفرط» بنتائج مؤتمر برلين. بناءً على ذلك، لا يتوقع أن تكون برلين محطة نهائية للصراع، بل يجب النظر إليها كخطوة أولية ضمن مسار طويل ومعقّد، تتخلّله تقطّعات ستفاقم حتماً حدّة التدخلات الخارجية في الملف.