لكن هذا يبقى سبباً، من دون أن يكون الأساس. ثمة أسباب أخرى يردفها جبارة ونقيب الصيادلة في لبنان، غسان الأمين. أحدها، بحسب جبارة، هو الآلية التي فرضها مصرف لبنان لاستيراد الأدوية، إذ «تتطلب ما بين شهر وشهر ونصف شهر كي يصبح الملف جاهزاً في حال جرى التوافق عليه، وهو ما يؤخر مواعيد الشحنات». إلى تلك، تضاف أيضاً معضلة الـ»fresh money» التي تزيد الطين بلة، وخصوصاً «أنها تعادل في بعض الأحيان ما يؤمّنه المصرف من دولارات على أساس السعر الرسمي للدولار». أما ثاني الأزمات، التي لن يقولها المورّدون، فيتكفل بها الأمين، إذ يشير إلى العامل «غير المرئي»، وهو أسعار الأدوية التي باتت «رخيصة جداً بالعملة الأجنبية». يدفع ذلك ببعض الموردين إلى شراء كمية كبيرة من الأدوية وفق آلية مصرف لبنان «للعمل على تهريبها مجدداً إلى الخارج بأسعار مضاعفة». وهذا الأمر أخذ حيزاً من النقاش في جلسة لجنة الصحة النيابية أمس، إذ أكد عراجي أن «هناك أدوية يعاد بيعها للخارج على أساس أنها وطنية بأسعار مضاعفة ويُحرم منها المرضى». وتتمة القصة أنه «ما إن تصل تلك الأدوية إلى المرفأ وقبل أن تدخل إلى لبنان حتى يعاد تصديرها وبيعها». وهذه حقيقة تحقق فيها اللجنة لكشف من يقومون بذلك.
هذه الأزمات مجتمعة أوصلت القطاع «إلى مرحلة الخطر»، يقول عراجي. من اجتماع اللجنة أمس، خرج رئيسها بتلك الخلاصة المخيفة التي تقول إن القطاع يقترب من الانهيار في حال استمر الوضع على ما هو عليه. والخوف من أن يكون «السيناريو في لبنان شبيهاً بسيناريو فنزويلا التي انهارت بانهيار القطاع الصحي مع فارق المقوّمات بين البلدين».
فرض مصرف لبنان آلية لاستيراد الأدوية تتطلّب نحو شهر ونصف شهر للحصول على الموافقة
اليوم، يعاني قطاع الدواء الذي انخفضت نسبة استيراده بحدود 18% (8% العام الماضي و10% في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري). وفيما كان مخزون الدواء «يكفي بالعادة لثلاثة إلى أربعة أشهر، بات اليوم يكفي لشهر ونصف شهر، وفي أحسن الأحوال لشهرين فقط»، وفق جبارة. أكثر من ذلك، يشدّد على أن «الوضع دقيق»، وهو بطبيعة الحال ليس خاصاً بالدواء فقط، بل يطاول أيضاً قطاع المستلزمات الذي يواجه مصيراً أسوأ مع تراجع الاستيراد بحدود 75%، إذ يبلغ «جملة ما استورده القطاع من مستلزمات بحدود 25% منذ بداية الأزمة في أيلول إلى الآن»، على ما تؤكد سلمى عاصي، رئيسة تجمع مستوردي المستلزمات الطبية. بالأرقام «استورد القطاع ما قيمته 52 مليون دولار من أصل 200 مليون دولار العام الماضي». لذلك، «الوضع مزرٍ»، تقول عاصي، متحدثة عن مستلزمات كثيرة باتت تخضع للتقنين وأخرى مقطوعة في انتظار إتمام التحويلات، «ومنها مثلاً الوصلة التي توصل الدواء إلى جسم المريض». اليوم، «وُقّعت الحوالة من أجل هذا المستلزم، لكن في المقابل قد ينقطع مستلزم آخر». تقول عاصي «عم نلعب غميضة»، وهو تعبير قريب من آخر قاله طبيب أمراض قلبية: «نتنقّل من دواء إلى آخر وكأننا نلعب جمباز».
لكل هذه الأسباب، طلبت لجنة الصحة النيابية من وزير الصحة، حمد حسن، تحديد موعد مع اللجنة الوزارية المعنيّة بالقطاع الصحي للبحث معها في إعداد خطة طوارئ لثلاثة أو 6 أشهر لمواجهة الأزمة. لم يعد طموح اللجنة اليوم إعداد إستراتيجية «إنما خطة طوارئ عاجلة»، يكون في مقدمها البحث في إمكان دعم قطاعات الصحة، من مستلزمات وأدوية وغيرها، مئة في المئة.