في الجانب الحزبي أيضاً، فوّت حردان يوم 13 أيلول الفائت فرصة كبرى لانطلاقة جديدة في «القومي». الذين خسر أمامهم، ليسوا سوى «جماعته»، أو هكذا كان يُنظر إليهم. كثيرون من القوميين وأصدقائهم كانوا يرفضون النظر إلى الانتخابات الأخيرة إلا كـ«لعبة بين حردان وأنصاره». ولم يصدّق هؤلاء أن المعركة جدية، إلا بعدما وقف حردان حيث أجريت الانتخابات في أعالي المتن الشمالي، وغادر غاضباً. كان في مقدوره، باعتراف بعض أنصاره، القبول بالهزيمة، واحتضان الفريق الفائز. لكنه آثر شنّ حرب عليهم. معركة من الشائعات تطال الفائزين، وصولاً إلى حدّ تخوينهم في تقارير ملفّقة. وجد حردان عوناً له في السفير السوري علي عبد الكريم علي، وفي مسؤولين أمنيين سوريين. بعض أنصار النائب الجنوبي يستقوون برئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك، ويعتبرونه سنداً لهم في وجه القيادة الحزبية المنتخبة.
بعد الانتخابات، طلب السفير السوري انتخاب حردان رئيساً للحزب القومي، فرفض الفائزون. ثم حمل مطلب إعادة الانتخابات فوراً، فرُفِض أيضاً. سعى النائب عبد الرحيم مراد، والوزير السابق حسن مراد، إلى حل بين حردان وخصومه، لكنهما لم يصلا إلى مبتغاهما. بات الملف اليوم في يد مملوك وحده.
موقف حردان ضعيف حزبياً، فهذه المرة، خسر جزءاً كبيراً من «أنصاره»
في الحزب، يتسلّح حردان بورقة القضاء اللبناني، وتحديداً لجهة الاستناد إلى قانون تمديد المهل، الذي يتيح للأحزاب والجمعيات تأجيل انتخاباتها (علماً بأنه كان المصرّ على إجراء الانتخابات!). وفي الأسابيع الأخيرة، اقترح رئيس المكتب السياسي في «القومي»، كمال النابلسي، مبادرة للحل، قبل أن «يستولي» عليها الرئيس السابق للحزب حنا الناشف، ليعرض إجراء انتخابات في أيار المقبل، بعد المؤتمر القومي. ينطلق الناشف من كونه رئيساً للمؤتمر، معتبراً أنه الجهة الشرعية الوحيدة في المؤسسات الحزبية. في المقابل، اقترحت القيادة القومية مبادرة للحل تقوم على الآتي:
- تقديم 29 اسماً ليختار منها حردان 6 أعضاء في محكمة حزبية تنظر في الطعون.
- انعقاد المؤتمر القومي في أيار المقبل. ورغم أن توصيات المؤتمر ليست مُلزمة، إلا أن القيادة الحزبية مستعدة لاعتبار توصياته ملزمة، ولإجراء انتخابات جديدة في حال أوصى القوميون بذلك.
منذ 13 أيلول، فشلت كل المبادرات في التوصل إلى حل. موقف حردان ضعيف حزبياً. فهذه المرة، خسر جزءاً كبيراً من «أنصاره». وبين القوميين، يصرّ كثيرون على أن عودته للإمساك بالحزب ستعني خروجهم، علماً بأن القيادة المنتخبة ترفض إقصاءه. لكن ذلك لا يدفعه إلى الاستسلام. على العكس من ذلك، يرى أنه في حالة غير حرجة، مستنداً إلى دعم يأتيه من دمشق. الرئيس بشار الأسد طالب بحفظ الحزب، وحفظ ماء وجه حردان. المعنيون بالملف في الشام وسفارتها في لبنان يحتاجون لا شك إلى مراجعة جدية للأداء منذ انتخابات القومي. الفريق الفائز ليس بعيداً عنها. على العكس من ذلك، هو من قاد عمل القوميين العسكري إلى جانب الجيش العربي السوري. وفي السياسة، القيادة الجديدة ملتزمة بخيار محور المقاومة. وإذا نظرت دمشق إلى حلفائها في لبنان، فهي ستجد جزءاً لا بأس به منهم مشتتين بين الإمارات وتركيا، فيما يكاد بعضهم يخجل بحلفه معها. حتى حزب البعث، تشتّت ذاتياً. هذه التجربة تفرض تعاملاً مختلفاً مع أزمة الحزب القومي، لا تنطلق حصراً من مصلحة حردان، بل تترك للقوميين وحدهم حق إدارة مؤسسات حزبهم. وقبل ذلك، قرار ينبغي أن يتخذه حردان بعدم أخذ «القومي» إلى انشقاق جديد بدأت ملامحه تلوح في الأفق، وبعدم التعامل بثأرية مع نتائج الانتخابات التي أصرّ على إجرائها.
اليوم، يقف القوميون مجدداً أمام مفترق طرق. إما نهضة حزبية يحتاج إليها محورهم وبلادهم، وإما المزيد من الشقاق. وفي الحالتين، من الجائز أن يُقال لحردان ما قيل يوماً لياسر عرفات: أنتَ المشكلة وأنتَ الحل.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا