أسرفت السعودية في «الطنطنة» للزيارة وتقديمها باعتبارها فتحاً لنظام ابن سلمان
هل تعني الزيارة أن إدارتَي بايدن وابن سلمان عثرتا أخيراً على آلية للتعامل بينهما، بعد طول تمنّع أميركي، حاول ابن سلمان الردّ عليه بالسعي إلى تنويع علاقاته، والقول إن لديه خيارات أخرى؟ قد يكون في الافتراض المتقدّم شيء من الدقة، ولكن فقط في مرحلة انتقالية تمتدّ حتى وفاة الملك التي ستمثّل نقطة الفصل الحقيقية في ما ستؤول إليه الأوضاع في المملكة. في المقابل، لا يبدو أن الإدارة الأميركية مستعدّة لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه، لتَعارض ذلك مع السياسة الجديدة لواشنطن والتي تقوم على تخفيف الوجود العسكري في الخليج، والتخفّف من مشاكله، لا التورّط فيها أكثر، بمعزل عن من يتولّى الحكم في السعودية. ومع نظام ابن سلمان، يصبح هذا الاحتمال أبعد، إذ لا تستطيع أميركا، ولو في الشكل وفي العلن، ابتلاع وعودها بعدم المساومة على ملفّ حقوق الإنسان مقابل شراء النفط أو بيع السلاح، ولا سيما وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بمعاملة السعودية كـ«دولة مارقة» كما تستحقّ. وخالد بن سلمان نفسه ليس بعيداً عن الشبهات في قضية خاشقجي، فالاستخبارات الأميركية تشتبه في أنه هو مَن أعطى الضحية «الأمان»، عندما كان سفيراً لبلاده في واشنطن، للذهاب إلى القنصلية في اسطنبول، حيث غُدر به، ثمّ لعب دوراً في التغطية على الجريمة بعد وقوعها، إلى أن استُدعي إلى الرياض بعد الكشف عن المرتكبين، خوفاً من خضوعه لأيّ مساءلة.
القرار في واشنطن أيضاً هو تنويع العلاقات في السعودية بين الحكم والمعارضة. وليس خافياً أن الولايات المتحدة تحتضن معارضين سعوديين في الخارج وتمدّهم بأدوات العمل، بحيث بات صوت العديد منهم مسموعاً. أكثر من ذلك، تُقدّم أميركا، ومعها دول غربية أخرى، حماية خاصة لهؤلاء، ولعائلاتهم أو أقاربهم داخل المملكة. ثمّة الآن حقائق جديدة في السعودية، يجد الأميركيون أنفسهم أمامها، فقبل اعتلاء ابن سلمان منصب ولاية العهد الذي يمارس منه مهامّ الحاكم الفعلي للبلاد، لم تكن هناك معارضة داخل الأسرة، بينما المعارضون خارجها كانوا بلا تأثير. الآن هؤلاء أكثر عدداً وتأثيراً، ويطلّون على السعوديين مباشرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر الإعلام الغربي الذي يفرد لهم مساحات كبيرة. من أبرز الأمثلة هنا، سعد الجبري، اليد اليمنى لابن نايف، والمقيم في كندا. الجبري تجرّأ على رفع دعاوى أمام المحاكم الأميركية والكندية ضدّ محمد بن سلمان شخصياً بتهمة إرسال «فرقة النمر» التي اغتالت خاشقجي، لقتله في كندا، فيما أبناؤه يعيشون في السعودية، وهم حالياً في سجون ابن سلمان. هل كان ليرفع مثل تلك الدعاوى لولا أنه تلقّى تطمينات أميركية كافية حول سلامتهم؟ وهل كان أصلاً سيعلم أن ابن سلمان أرسل له «فرقة النمر» لولا أن الاستخبارات الأميركية مرّرت له هذه المعلومة؟
على الضفة الأميركية، يأخذ كثيرون داخل الولايات المتحدة على بايدن نكثه بوعوده الانتخابية في ما يتعلّق بالسعودية، والذي يبدو أن مردّه «الإدمان» على النفط الذي لا تعرف الولايات المتحدة طريقاً للشفاء منه. وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست»، التي يخوض صاحبها، جيف بيزوس، منذ مقتل خاشقجي الذي كان كاتب رأي في الصحيفة، معركة شخصية ضدّ ابن سلمان، في افتتاحية لها، أمس، أنه إذا كانت واشنطن تريد الضغط على ولي العهد لتحسين سجلّه في مجال حقوق الإنسان، فإن تعزيز العلاقة مع شقيقه خالد، خطوة في الاتجاه الخاطئ.