يقول مسؤول حكومي في معرض شرح أسباب تعديل التعرفة الجمركية إنّه «من غير المنطقي استيراد سيارة - مثلاً - سعرها 100 ألف دولار واستيفاء رسوم عليها وفق سعر صرف 1507.5 ليرات للدولار، فيما السعر في السوق الموازية وصل إلى الـ20 ألف ليرة». بقاء رسوم الاستيراد على السعر الرسمي ورقياً، «يُفوّت على الخزينة العامة إيرادات كبيرة، لذلك تقرّر البحث في تعديلها». ولكن ما يُبحث بين وزارة المالية ومصرف لبنان هو عملياً فرض ضريبة غير مباشرة يتحمّلها كلّ الناس، وستؤدي إلى ارتفاعٍ في الأسعار ما يزيد الكلفة المعيشية عليهم بعد انهيار العملة وتدنّي قيمة الرواتب ورفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية. في المقابل، تُسقط السلطة من خياراتها تصحيح النظام الضريبي وفرض ضرائب مباشرة وتصاعدية، استناداً إلى الثروة والدخل، تُستخدم لتمويل الميزانية العامة والمشاريع الاستثمارية للدولة التي تُسهم في التنمية المجتمعية. يعتبر المسؤول الحكومي أنّ تعديل «الدولار الجمركي» لن يؤدّي إلى ارتفاعٍ في السلع، «فلنأخذ المواد الغذائية، غالبيتها لا يُفرض عليها رسوم، وفي حال وُجد الرسم الجمركي فهو لا يتعدّى الـ5 في المئة». ويكشف عن تحضير المجلس الأعلى للجمارك أيضاً عن لائحة «تضمّ السلع التي يُمكن زيادة الرسم الجمركي عليها، وهي تلك التي تُصنّف كماليات». لا يوجد تفسير واضح للكماليات في لبنان، فهل تُعتبر السيارات «ترَفاً» في بلدٍ من دون نظام نقل مشترك؟
يتوقّع أن تؤمّن زيادة «الدولار الجمركي» إيرادات ما بين 1000و2000 مليار ليرة
يتوقّع المسؤول الحكومي أن تؤمّن زيادة «الدولار الجمركي» إيرادات ما بين 1000و2000 مليار ليرة، «ستُستخدم لتمويل مشروع وزارة المالية بدفع مساعدات اجتماعية لموظفي وأجراء الإدارات العامة والأجهزة العسكرية والأمنية والقضاة والقطاع التعليمي، وهي بقيمة 600 مليار ليرة تُدفع على دفعتين متساويتين»، مع البحث في تقديمها دورياً. وستُستخدم أيضاً الإيرادات «الناتجة من زيادة سعر صفيحة البنزين، من 25 إلى 75 ألفاً، وتؤمّن هذه الزيادة قرابة الـ500 مليار ليرة». يُقدّم المسؤول هذه الأرقام لـ«تحرير نفسه» من تُهمة أنّ المساعدات الاجتماعية للقطاع العام وزيادة بدل النقل ستُموّل عبر طبع العملة. فبعد أن كان المطروح زيادة بدل النقل من 8 آلاف ليرة إلى 24 ألف ليرة على أن يستفيد منه «29 ألف موظّف من الإدارات العامة والقطاع التعليمي»، طلبت رئاسة الجمهورية من وزارة المالية التريّث في التوقيع ريثما تُعدّ دراسة حول عدد أعضاء الأجهزة العسكرية والأمنية الذين يجب أن تشملهم الزيادة وكم تبلغ حينها الكلفة. انتهى وزني أمس من وضع الدراسة، على أن يُرسلها اليوم إلى رئاستَي الجمهورية ومجلس الوزراء، وأبرز ما فيها أنّ الكلفة سترتفع من 61 مليار ليرة إلى 120 مليار ليرة سنوياً، «الأرجح أن توافق كلّ المرجعيات عليها، ويتم تغطية تمويلها أيضاً من إيرادات الجمارك».
ولكن هل فعلاً تعديل تعرفة «الدولار الجمركي» ستزيد من إيرادات الخزينة وتُعتبر «حلّاً»؟
يُجيب الاقتصادي والمستشار السابق في البنك الدولي، والباحث في السياسات الضريبية، سمير الضاهر إنّ خلق أسعار صرف متعدّدة «سياسة اقتصادية خاطئة تُبعدنا عن هدف توحيد سعر الصرف». لا ينفي أنّ رفع الاستيفاء الجمركي من 1507.5 ليرة للدولار إلى 3900 ليرة «يُضاعف الإيرادات الجمركية، ولكن كم سيتراجع الاستيراد؟». بحسب أرقام الجمارك اللبنانية، استورد لبنان عام 2019 بقيمة 19.240 مليار دولار، أما عام 2020 فاستورد بقيمة 11.310 مليار دولار، يعني تراجعاً بـ7.930 مليار دولار سُجّل معظمها في السيارات وملحقاتها والهواتف الذكية والألبسة والساعات والمفروشات... انطلاقاً من الأرقام يسأل الضاهر، «بكم يجب أن يُحدّد الدولار الجمركي حتّى تنتج منه إيرادات تُعوّض هذا التراجع في الاستيراد؟ إيرادات الدولار الجمركي لن تكون عالية وهي ليست المدخل الأساسي لزيادة مداخيل الدولة، بل بإمكان السلطة التفكير بزيادة الرسوم على العقارات، مبيعاً وتسجيلاً، لأنّها ما زالت ثابتة ومرتفعة». يوافق الضاهر على أنّ «الدولار الجمركي» يوازي ضريبة جديدة غير مباشرة على السكّان، «الذين يتقاضى أغلبيتهم رواتب بالليرة فاقدة لقيمتها، وأصلاً هناك استنسابية في الرسوم المفروضة على البضائع المستوردة، تبعاً لمصالح الكارتيلات والأقوياء». ما يطرحه الضاهر هو «إعادة النظر بالهيكلية الضريبية ككلّ».
في الإطار عينه، يُعلّق مسؤول ماليّ سابق بأنّ «من يُرِد فرض ضرائب ورسوم على الناس، فعليه أن يُقرّر ذلك ويُعلنه بكلّ جرأة، لا أن يترك سعر الصرف يُحدّد الضريبة». يضع المصدر نفسه ما يجري في إطار «السياسة الإجرامية المُتبعة منذ إسقاط خطة الإصلاح المالي التي كانت تطرح حماية كاملة للودائع التي تقل عن 500 ألف دولار، واقتطاع ما بين 30 في المئة و35 في المئة من الودائع التي تفوق هذا المبلغ، وتحرير سعر الصرف ليبلغ 4500 ليرة / الدولار في غضون سنوات لا الآن». يعتبر أنّه «لو كان الهدف من زيادة التعرفة الجمركية هو السلع الكمالية، لكان يُمكن فرض ضرائب مباشرة عليها. أما وجود «دولار جمركي» فيعني المزيد من ارتفاع الأسعار. هي سياسة مُتعمّدة ليتم استقرار الأوضاع على الأسوأ بعد سحق كلّ السكّان، باستثناء المستفيدين من النظام».
«تفريع» سعر الصرف بدل توحيده: خدمة للمصارف
في المواقف العلنية، يقول المسؤولون السياسيون والمصرفيون إنّهم يُريدون برنامج اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي، للحصول على الدولارات. إلا أنّهم لا يُقصّرون في اتخاذ كلّ التدابير التي يُعارضها صندوق النقد. فواحد من شروطه الرئيسية هو توحيد أسعار الصرف المتعددة وتحرير العملة. تكفّل مصرف لبنان بتحرير العملة عبر تركها تنهار، وفي الوقت نفسه قاد خلق مجموعةٍ من أسعار الصرف، واليوم يُعتمد الأمر نفسه مع العمل على «الدولار الجمركي». أليس الأسهل من كلّ هذه الاختراعات العمل على توحيد السعر؟ يُجيب مسؤول حكومي بأنّ الدولة «يتعذّر عليها حالياً توحيد الأسعار لعدم امتلاكها المقومات اللازمة. لا مهرب من التوحيد، لكنّه يبدأ بعد الاتفاق مع صندوق النقد وإجراء الإصلاحات الشاملة المطلوبة، ووجود عملة صعبة في البلد». بالنسبة إلى المستشار السابق في البنك الدولي، سمير الضاهر «من الصعب الحديث عن توحيد سعر الصرف قبل تحديد الخسائر، والأهم تحديد من سيدفعها». ويُذكّر بأنّ توحيد سعر الصرف له «تأثير مباشر على مصرف لبنان والمصارف، التي تتمكّن عبر تعدّد الأسعار ومنصة الـ 3900 من اقتطاع ما يُقارب الـ 85% من قيمة الودائع والتخلّص من خسائرها».