التطوّرات المتلاحقة في مناطق الشرق والشمال الشرقي يرافقها زخم إعلامي وتصعيد سياسي تركيّان
وعلى الرغم من الردّ الأميركي الدبلوماسي، واصل جاويش أوغلو تصعيده السياسي الذي طال روسيا أيضاً، إذ رأى في مؤتمر صحافي مع نظيره النيكاراغوي، أن «الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تتحمّلان مسؤولية الهجمات التي تستهدف أراضينا وعناصر الأمن التركية»، متّهماً كلتا الدولتَين بأنهما «لم تلتزما بتعهّداتهما». لكنه عاد والتقى نظيره الروسي سيرغي لافروف، في العاصمة الصربية بلغراد على هامش «قمّة عدم الانحياز»، وبحث معه القضايا نفسها التي ناقشها بوتين وإردوغان في سوتشي، قبل نحو أسبوعين، حيث أصرّت روسيا على ضرورة التزام تركيا بتعهّداتها بإخلاء إدلب من الإرهاب. ويأتي إقحام أنقرة لموسكو في ملفّ المنطقة الشمالية الشرقية بعد تزايد النشاط الروسي العسكري في تلك المنطقة، وآخر وجوهه شنّ الطائرات الروسية ثلاث غارات في محيط أعزاز ومدينة مارع، إحداها قرب قاعدة عسكرية تركية، الأمر الذي يبدو أن روسيا أرادت من خلاله تأكيد حضورها في هذا الملفّ، وارتباطه بملفّ إدلب، خصوصاً بعد عودة النشاط الأميركي السياسي والعسكري هناك.
من جهتها، قلّلت مصادر كردية، تحدّثت إلى «الأخبار»، من إمكانية شنّ هجوم عسكري تركي على مواقع «قسد»، مستدركة بأن «قوات سوريا الديمقراطية تُحصّن مواقعها رغم ذلك»، لافتةً إلى أن «التصادمات في مناطق التماس موجودة، وليست حدثاً مستجداً، وذلك بسبب استمرار تركيا والفصائل التابعة لها في قصف القرى والمناطق، ومحاوَلة تحقيق خرق ميداني في خريطة السيطرة»، وفق تعبيره. وبينما رأى الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديمقراطية»، رياض درار، أن «التصعيد يأتي للحفاظ على الاستمرارية وإشغال الشارع التركي»، تَربط المصادر الكردية بين التصعيد الأخير واللقاء المرتقب بين إردوغان وبايدن في إيطاليا على هامش «قمّة العشرين» نهاية الشهر الحالي، خصوصاً بعد أن قدّمت تركيا عرضاً لشراء 40 طائرة جديدة من طراز «F16» إثر إخراجها من برنامج تطوير طائرات «F35» على خلفية شرائها منظومة «S400» الروسية. ويتوافق ما ذهبت إليه المصادر الكردية مع التكتيكات التركية المتّبعة خلال الفترة الأخيرة، والتي تتمثّل في محاولة تحقيق مكاسب ميدانية على الأرض قبل أيّ قمّة يشارك فيها الرئيس التركي، الذي يذهب إلى اللقاء حاملاً معه عرضاً لشراء أسلحة، وهو ما تمّ فعلاً قبيل لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عرض عليه شراء منظومة «S400» ثانية.
وعلى الرغم من الاطمئنان الكردي، النابع في جزء منه من دعم أميركي، يواجه الأكراد مرّة أخرى اختباراً صعباً لجدّية ذلك الدعم، خصوصاً أن الولايات المتحدة تخلّت أكثر من مرّة عن حلفائها في سوريا لصالح تركيا، بما مكّن الأخيرة من التوغّل في الداخل السوري، وإبعاد الأكراد عن شريطها الحدودي، ومهّد الأرض لها لإجراء عمليات تغيير ديموغرافية عن طريق توطين عائلات الفصائل المسلّحة السورية التابعة لها في تلك المناطق. وعلى ما يَظهر، فإن أيّاماً صعبة سيعيشها الأكراد في انتظار الموقف الأميركي من العروض التركية، العسكرية والسياسية، والتي يتحضّر إردوغان لتقديمها نهاية الشهر الحالي، بما سيضيّق الخيارات أمام «قسد»، التي كانت ابتعدت عن موسكو، وقطعت خطوط التواصل مع دمشق، وانكفأت عن السياق الدولي للحلّ السياسي في سوريا، والمتمثّل في «اللجنة الدستورية» - التي يُنتظر انعقاد جلستها السادسة في الثامن عشر من الشهر الحالي -، قبل أن تبدأ أخيراً إعادة حساباتها على خلفية التحوّلات الأميركية المستجدّة، من دون أن يُحسم إلى الآن أيَّ طريق ستسلك في نهاية المطاف.