وبدخول التحالف الجديد حيّز التنفيذ، واتخاذ سلسلة خطوات أخرى من ضمنها توجيه ابن زايد دعوة رسمية إلى رئيس وزراء العدو، نفتالي بينيت، لزيارة أبو ظبي، وسط تصريحات إسرائيلية عن قرب توقيع اتفاقية «شراكة كاملة» بين الإمارات والعدو تتضمّن إقامة منطقة تجارة حرّة، يكون ابن زايد قد أبقى إسرائيل، وعبرها الولايات المتحدة، على رأس رهاناته لحماية نظامه، في ظلّ تغيّر ديناميات السياسة والأمن في الخليج، والذي يؤرّق كلّ الدول الخليجية، الساعية إلى تحصين نفسها ضمن هذه الديناميات الجديدة. ولعلّ تطوّرات السنين الطويلة الفائتة جعلت مثل هذا التحالف ملاذاً طبيعياً للإمارات. فالعلاقات الإماراتية مع الهند مثلاً، تطوّرت بالتوازي مع تراجع علاقات أبو ظبي مع كلّ من باكستان وتركيا. وفي الأساس، لم تكن استضافة جاليات عمالة هندية كبيرة في الخليج، محض صدفة، بل أريد منها التنويع، بعيداً عن طغيان العنصر المسلم، الذي تَعتبره الأنظمة الخليجية تهديداً طبيعياً، بالنظر إلى تحالف العائلات الحاكمة مع بريطانيا ثمّ الولايات المتحدة، في كثير من الأحيان، ضدّ قبائل أخرى تَعتبر أن لها حقوقاً في حُكم هذه الدول. وفي الإمارات والبحرين تحديداً، تُعتبر الجاليتان الهنديّتان أكثر طغياناً ممّا هو عليه الأمر في دول الخليج الأخرى، ويندرج ذلك في إطار سياسة «ضدّ إسلامية» ينتهجها البلدان، وهي الخانة نفسها التي يمكن إدراج حماسة الدولتين للعلاقات مع العدو فيها.
يستهدف انخراط واشنطن في التحالف تغطية جزء من الفراغ الأمني الذي ستُخلّفه مغادرتها المنطقة
على أن الموقف الهندي المماثل للرؤية الإماراتية في ما يتعلّق بالعلاقات مع إسرائيل من جهة، والمسلمين من جهة أخرى، تدرّج نحو انقلاب كامل. ففي خمسينيات القرن الماضي، بعد نيلها الاستقلال عن بريطانيا، وتقسيم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان وبنغلاديش، سعت نيودلهي إلى اجتذاب المسلمين إلى صفّها حتى لا تستحوذ باكستان عليهم، فوقفت مع القضية الفلسطينية ومع جمال عبد الناصر، وكانت في الوقت عينه زعيمة «حركة عدم الانحياز» أيام جواهر لال نهرو، مع ميل إلى الاتحاد السوفياتي. وبعد انهيار الأخير، بدأ الانقلاب بإقامة الهند علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1992، قبل أن تتحوّل هذه العلاقات إلى تحالف عقب الفوز الكاسح للهندوسي المتطرّف، ناريندرا مودي، برئاسة وزراء الهند في عام 2014، بفضل الانسجام الشخصي بين مودي وبين رئيس وزراء العدو السابق، بنيامين نتنياهو. فللرجلين الآراء نفسها في القضايا العالمية الكبرى، ولديهما مشاريع متشابهة بشأن إقامة الدولة القومية الدينية، والتصدّي للحركات والقوى الإسلامية. وعملياً، إسرائيل الآن هي ثاني أكبر مورّد أسلحة إلى الهند، وتُوفّر لها حلولاً تكنولوجية لحماية بنيتها التحتية، كما تدرّب القوات الخاصة الهندية في كشمير على قتال المقاومين الكشميريين، وتُجهّزها بوسائل استطلاع متطوّرة. وبلغ الأمر بالقنصل العام الهندي في نيويورك، سانديب شاكرافورتي، أن دعا إلى اعتماد «النموذج الإسرائيلي» ضدّ الفلسطينيين في كشمير.
والإمارات، في تقاربها مع الهند تحت قيادة مودي من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، تتخلّى عملياً عن قضيّتَي فلسطين وكشمير معاً. وتزيد على ذلك فرض قيود على العمّال الباكستانيين لديها، بموازاة تراجع علاقتها بالحكومة الباكستانية. ذلك أن رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، يرفض الاعتراف بإسرائيل، مشدّداً على «أنّنا إذا تخلّينا عن القضية الفلسطينية فإنّنا نتخلّى أيضاً عن قضية كشمير». لكن الاصطفاف الاستراتيجي بين أبو ظبي ونيودلهي يتمركز حول هدف رئيس هو محاربة الإسلاميين، ولا سيما حركة «الإخوان المسلمين»، وهنا تجد الدولتان نفسيهما أيضاً في تحالف ضدّ تركيا، الراعي الرئيس للحركة. ولطالما كانت العلاقات بين تركيا والهند باردة منذ إنشائها في عام 1949. وتَمثّل السبب في ذلك، ابتداءً، في اختلاف التموضع الاستراتيجي لكلا البلدين، بين الهند المناهضة لـ«حلف شمالي الأطلسي»، وتركيا التي شكّلت رأس حربة للحلف. لكن سبب البرود تَغيّر اليوم، ليصبح الأجندة الإسلامية لإردوغان مقابل الأجندة الهندوسية لمودي. والإمارات هنا مع الهند؛ فـ«عيال زايد» يخافون «الإخوان المسلمين» أكثر بكثير ممّا يخافون الهندوس، حتى أنهم سمحوا للأخيرين ببناء معابد لهم في الإمارات، بينما لا يوجد «إخواني» إماراتي إلّا في السجن أو المنفى. في المقابل، تنسّق تركيا أمنياً مع باكستان وتمدّها بالسلاح، والتقارب بينهما عنوانه الرئيسي التعاون في أفغانستان، حيث التأثير الباكستاني كبير، وحيث لعبت تركيا دوراً أساسياً في ترتيب الانسحاب الأميركي من هذا البلد. لكن مصدر القلق الأساسي خلف إنشاء «الرباعي الجديد»، كما يظهر، هو أن إيران وتركيا ستكونان أكبر المستفيدين من الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، الأمر الذي يثير مخاوف إسرائيل والإمارات من أن يتمكّن أحد البلدين أو كلاهما معاً من تطويقهما بالأعداء.