الاحتجاجات التي بدأت على نطاق مدينة في مقاطعة صينية، سرعان ما توسّعت لتشمل كبرى المدن
لكن الاحتجاجات التي بدأت على نطاق مدينة في مقاطعة صينية، سرعان ما توسّعت لتشمل كبرى المدن، وخصوصاً بكين وشنغهاي، وباتت تطالب إضافةً إلى إنهاء تدابير الإغلاق بفتح مجالات أوسع للحريات السياسية، وأحياناً باستقالة الرئيس شي جين بينغ، في موجة تقول وسائل الإعلام الغربية إن البلاد لم تشهد مثيلاً لها، لجهة سعة انتشارها، منذ «الاحتجاجات المؤيّدة للديموقراطية» في عام 1989. ومن بين الشعارات التي هتف بها المحتجّون: «لا لفحوصات كوفيد، نحن جياع»، و«شي جين بينغ استقِل»، و«الحزب الشيوعي الصيني انسحِب»، و«لا للحجْر، نريد الحريّة». وفي ضوء الهتافات التي بدت منظَّمة، ورفْع المحتجّين ورقة بيضاء في استنساخ لشعار احتجاجات هونغ كونغ قبل ثلاث سنوات، اتّهمت وزارة الخارجية الصينية «قوى ذات دوافع مبيّتة» بالربط بين الحريق و«الاستجابة المحلّية لكوفيد-19». في هذا الوقت، لا تزال بكين ملتزمة بتطبيق سياسة «صفر كوفيد» التي تُجبِر الحكومات المحليّة على فرْض إغلاقات عامّة مفاجئة، وإصدار أوامر بالحجر الصحي والحدّ من حريّة التنقل، من أجل كبْح تفشّي الفيروس. لكن ثمّة مؤشرات إلى أن بعض السلطات المحلّية بدأت تتّخذ خطوات لتخفيف بعض القيود وتهدئة الاضطرابات؛ ففي أورومتشي، قال أحد المسؤولين إن المدينة ستمنح دفعة مالية واحدة قَدْرها 300 يوان (42 دولاراً) لكلّ شخص «ذي دخل منخفض أو بلا دخل»، وأَعلن عن إعفاءات من دفع الإيجار لمدّة خمسة أشهر لبعض الأسر. وأفادت وكالة أنباء «الصين الجديدة»، من جهتها، بأن الحكومة حَظرت «إغلاق البوابات في المجمّعات السكنية»، وهو تدبير أثار غضباً شعبياً، إذ وجد الناس أنفسهم عالقين في منازلهم كلّما تفشّى «كورونا» في دائرة صغيرة. وفي الوقت نفسه، تعهّدت لجنة الصحة الوطنية في بكين، يوم أمس، بـ«تسريع عملية تطعيم الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 80 عاماً، ومواصلة زيادة معدّل تلقيح البالغين ما بين 60 و79 عاماً».
«ما يثير الاهتمام جدّاً في هذه الاحتجاجات هو كيف أن التركيز على قضيّة واحدة، هي الإغلاق العام بسبب كوفيد-19، تحوّل بسرعة إلى قضايا سياسية أوسع»، وفق ما تقول الخبيرة السياسية، ماريا ريبنيكوفا. اهتمامٌ يبدو أنه سرعان ما وجد مَن يتلقّفه، إذ خرجت تظاهرات عدّة في الجامعات الأميركية لمساندة المحتجّين الصينيين في «معركتهم من أجل الحريّة». لكن بالعودة إلى سياسة الإغلاق، تقول الرواية الغربية للأحداث الجارية، وهي السرديّة الرائجة بطبيعة الحال، إن سياسة «صفر كوفيد» تقتل الصينيين، مستدلّين بما حدث في أورومتشي، وإن انعكاسات الإغلاق المستمرّ منذ ثلاث سنوات كارثيّة على معاش الصينيين - ويمكن هنا الإشارة إلى العنوان الذي يتصدّر موقع صحيفة «نيويورك تايمز»: «احتجاجات الصين على صفر كوفيد بعد أشهر من الألم الاقتصادي» -، علماً أن الحديث الذي راج مع بدء الجائحة كان أنها أَثبتت عدم جدارة النيوليبرالية، وفضحت أنظمة الرعاية الصحية خصوصاً في الولايات المتحدة. لكن لا شكّ في أن هناك حالة اعتراض متصاعدة لدى أوساط اجتماعية صينية متعدّدة، وبدرجات متفاوتة الحدّة ضدّ النظام الحاكم، فيما لم يتّضح بعد كيف تعتزم بكين التعامل مع ما يجري، وإن كانت قد أشارت إلى أنه ينبغي «قمع عمليات التسلُّل والتخريب للقوى المعادية وفقاً للقانون».