في «فيدرالية الطوائف»، يتركّز الحديث حول انتهاء سلامة على آلية التوصّل إلى الاسم البديل. فالحاكم، عرفاً، يجب أن يكون مارونياً، ولا يمكن أن يحلّ محلّه نائبه الأول كما تنصّ المادة 25 من قانون النقد والتسليف، لئلّا يثير ذلك حساسيات «آخرين»، أو يهدد طرفاً سياسياً - طائفياً بخسارة مواقع وظيفية أخرى مكافئة طائفياً لموقع الحاكم. هذا النقاش هو ما يسيطر على الاستحقاق. وحتى عندما استدعى الرئيس نجيب ميقاتي النائب الأول وسيم منصوري للاستفسار عن الإجراءات الممكنة في مرحلة ما بعد سلامة، تمحورت إجابات الأخير حول الموقع الذي لا يحلّ محلّه أحد. وهو أساساً كان قد أجرى نقاشاً مع الرئيس نبيه برّي حول الاستحقاق، خلص فيه الأخير إلى تفضيل استقالة النائب الأول حتى لا يُحسب الأمر مكسباً شيعياً على الموارنة، في ظل الانقسام الطائفي الحادّ، رغم طرح الأمر من زاوية أن شغور منصب المدير العام للأمن العام (الشيعي) مُلئ لدى شغوره ببديل ماروني، وأن الأمر نفسه يمكن تطبيقه على الحاكمية.
من زاوية علاقة القوى السياسية بالخارج، التنافس محدود على المنصب. هناك مرشحون مرتبطون بتسوية سياسية كبرى مطروحة حالياً، أو يحاولون الارتباط بها أملاً بأن تنجز مبكراً. وهؤلاء، كجهاد أزعور وكميل أبو سليمان وسمير عساف، مرشحون انطلاقاً من قوّة دفع خارجية مصدرها علاقاتهم «المميزة» مع واشنطن وباريس أو مع مواقع أساسية فيهما. لكن كل المرشحين يستلهمون من مصدر واحد هو صندوق النقد الدولي الذي يملك معايير موحّدة لاستعباد الشعوب. لكن النقاش المحلي يدرك أن مهمّة الاستعباد سبق أن تكفّل بها سلامة باسم القوى التي تفكر بالتخلّي عنه اليوم، وأن هذه القوى المحلية تعدّ ممراً إلزامياً لنقل الاستعباد إلى الخارج.
هكذا تصبح الآلية المطروحة لاختيار الحاكم خارج نطاق الدستور والقانون، وتكمن في الاجتهاد والالتفاف. فمنصوري، مثلاً، بعيداً من البحث عن كفاءته ودرجة ارتباطه بالرئيس نبيه برّي، يُفترض أن يكون حاكماً لفترة انتقالية، بحسب نص المادة 25 من قانون النقد والتسليف (بحال شغور منصب الحاكم, يتولى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يعيّن حاكم جديد). كما تنص المادة 27 على أنه «بحال غياب الحاكم أو تعذّر وجوده، يحلّ محلّه نائب الحاكم الأول، وبحال التعذّر على الأول فنائب الحاكم الثاني، وذلك وفقاً للشروط التي يحدّدها الحاكم (...) وبإمكان الحاكم أن يفوّض مجمل صلاحياته إلى من حلّ محلّه». وفي الواقع، لا تميّز هذه المادة بين الشغور والتعذّر، رغم الفروقات الواضحة بينهما، لذا ثمة من يعتقد أن نقل الصلاحيات - وفق هذه المادة - إلى نواب الحاكم بقرار من سلامة قبل ساعات من انتهاء ولايته، هو قيد الدرس حالياً.
أما في ما يتعلق بتعيين حارس قضائي، وهي فكرة النائب جبران باسيل، الرافض انعقاد مجلس الوزراء والذي يجدها مخرجاً مناسباً، فتغفل أن الحارس القضائي لا يعيّن إلا في المحكمة بعد طلب من جهة لديها مصلحة في ذلك وتثبت مصلحتها. وللحارس القضائي مهمة محدّدة في قرار تعيينه، أي أنه يمارس أعمالاً تطلبها منه المحكمة لإدارة شؤون شركة ما وفق أسباب محدّدة. أي أنه بمثابة مدير إداري، ووصيّ على الموجودات والأملاك وتسيير المرفق، لكنه لن يكون وصياً على أعمال المجلس المركزي مثلاً، وليس في إمكانه إصدار النقد بموجب المادة 47 من قانون النقد والتسليف، ويصعب تصوّر أن تشمل مهمته رسم سياسة نقدية وما تنص عليه المادة 70 من قانون النقد والتسليف: الحفاظ على سلامة النقد اللبناني، الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، الحفاظ على سلامة أوضاع النظام المصرفي. الحارس القضائي يمثّل مخرجاً سياسياً مناسباً لباسيل، تماماً كما أن استقالة منصوري أو امتناعه عن الحلول محلّ سلامة يعدّ مخرجاً مناسباً لبري.
هل يملك الحارس القضائي صلاحيات رسم السياسات النقدية وتنفيذها؟
المشكلة التي ستواجه من يتم تعيينه أو الحارس القضائي أو البديل الذي تنتقل إليه الصلاحيات، أنّ أيّاً من هؤلاء لا يحمل مشروعاً. ولا طائل من تغيير سلامة إذا استمرّ الخلف في السياسات نفسها، وإذا واصلت الحكومة النهج نفسه بتلزيم كل الأمر للحاكم. فالنهج المتأصل بتوزيع الخسائر عبر تعاميم من مصرف لبنان تحمّل المجتمع أعباء هذه الخسائر مضاعفة مرات عدّة. توزيع الخسائر بطريقة موضوعية أمر ضروري للانتقال إلى نهج جديد لا أرضية له حتى الآن. فعلى سبيل المثال، قرار السماح باستعمال الدولار النقدي في تسعير السلع والخدمات لا يحسب إلا من ضمن النهج السابق، ومثله قرار الدعم ثم التراجع عن الدعم السلعي ومواصلة دعم العملة. كلها قرارات تماشت وانسجمت أو كمّلت ما قام به حاكم الانهيار رياض سلامة. وهذه السلطة نفسها، تحاول تقديم بديل سلامة اليوم باعتباره إنجازاً طائفياً وأنه لن يكون سوى نسخة محدّثة من مشروع أو نموذج «كذبة» استمرّت لنحو ثلاثين عاماً. الفصل بين ما قبل الأزمة وما بعدها ليس مشروع هذه السلطة.