وتَحقّق هذا الانتصار الحاسم للمحافظين على الرغم من أن التصويت جرى بعد أيام قليلة من حادثة غرق سفينة مهاجرين قبالة سواحل البلاد، قضى على إثرها أكثر من 600 لاجئ، ما أثار انتقادات حادّة لأداء خفر السواحل اليوناني، وسلّط الأضواء على موقف ميتسوتاكيس المتصلّب ضدّ الهجرة. وقبلها، في شباط الماضي، كان حادث قطار قد أودى بحياة 57 شخصاً، ما أثار غضباً عارماً بشأن كفاءة الخدمات العامّة. لكن كلّ ذلك، وفوقه فضيحة التنصّت على المنافسين السياسيين والصحافيين، لم تقلّل بحال من تماسك اليمين أو تفرّق جمهوره. ومع أن توزيع الكتل الكلية للناخبين لم يتغيّر كثيراً بين اليمين واليسار، إلّا أن عوامل من مثل ضعف إقبال الناخبين، وفشل الأحزاب اليسارية في بناء جبهة تقدمية موحدة، وضياع ثقة الناخب اليوناني غير المسيّس (حوالي مليون ناخب) برموز اليسار، إلى جانب نموّ اقتصادي إيجابي خلال فترة ولاية ميتسوتاكيس الأولى، تعاضدت كلّها لتمنح اليمين فرصة تاريخية لإعادة صياغة اليونان الجديدة بعد عقد من سنوات عجاف.
وبحسب «هيئة الانتخابات»، فقد أدلى أقلّ من 53 في المائة من مجموع حوالي 10 ملايين ناخب مسجّل، بأصواتهم، وهو رقم قياسي منخفض، مقارنةً بالجولة السابقة التي شارك فيها 61 في المائة. وحصل «الحزب الشيوعي» اليوناني على 7 في المائة (20 مقعداً)، فيما بالكاد تمكّن حزب يساري جديد (مسار الحرية) من عبور حاجز الـ3 في المئة للتمثّل في البرلمان. ويقول مراقبون إن نتائج الأحد مثّلت طياً نهائياً لصفحة رموز اليسار الذين كانوا تولّوا السلطة في عام 2015 بتأييد شعبي صريح، قبل أن ينقلبوا على أماني ناخبيهم - رئيس الوزراء السابق (بين عامَي 2015 - 2019) أليكسيس تسيبراس، وزعيم «سيريزا» الذي قال إنه يتحمّل مسؤولية الخسارة الحالية ويضع مستقبله كزعيم في أيدي أعضاء حزبه، وأيضاً وزير ماليته الذي انشقّ عنه، يانيس فاروفاكيس، الذي فشل حزبه الباهت، «ميرا - 25»، في الحصول على ما يكفي من أصوات للوصول إلى البرلمان -. في المقابل نجح عدد من الأحزاب الهامشية من أقصى اليمين في العبور إلى البرلمان، بعد تجاوزها حاجز الحدّ الأدنى، ما شكّل كتلة وازنة من النواب الذين يمثلون جمهوراً يشعر بالاستياء من الأوضاع القائمة. وحصل «الإسبارطيون»، وهم حزب يميني متطرف جديد تأسس قبل أسابيع فقط من أنصار حزب نازي تم حظره، على تأييد يقرب من 5 في المائة، ما جعل مجموع عدد مقاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان الجديد 34 مقعداً.
تحقّق الانتصار الحاسم للمحافظين على الرغم من مضيّ أيام قليلة من حادثة غرق سفينة مهاجرين قبالة سواحل البلاد
وباركت البورجوازية المحلية إعادة انتخاب ميتسوتاكيس، وهو ما تجلّى في ارتفاعات لافتة في أسواق الأسهم والسندات في أثينا خلال الأسابيع القليلة الماضية. كما أن رئيس الوزراء شخصية تحظى بالقبول في كلّ من بروكسل وواشنطن. ومن المرجّح الآن رفع التصنيف الائتماني لليونان مع حلول نهاية العام، ما سيسمح باستعادة الاستثمارات الخارجية بعد عقد تقريباً على تفجّر أزمة اقتصادية حادّة تسبّبت بإفلاس البلاد ووضعها تحت ما يعادل انتداباً اقتصادياً أوروبياً بقيادة برلين، وبرنامجاً قاسياً من التقشّف قاده يساريو «سيريزا». وبانتصار «الديموقراطية الجديدة» في اليونان، وفي ظلّها أحزاب اليمين المتطرف، تكتمل دائرة هيمنة الأحزاب اليمينية على السلطة في مجمل جنوب أوروبا، حيث تعلو موجة العداء للمهاجرين. ويقود حزب «الأخوة الإيطاليين» اليميني المتطرّف ائتلافاً يمينياً يحكم إيطاليا، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات التي ستجري الشهر المقبل في إسبانيا ستأتي بـ«حزب الشعب» المحافظ إلى السلطة في ائتلاف مع حزب «فوكس» اليميني المتطرّف. ومع أن صعود الأحزاب القومية واليمينية أثار قلق بيروقراطيي الاتحاد الأوروبي في بروكسل بداية، إلّا أن تلك المخاوف بدت مبالَغاً فيها بعدما قدّم هؤلاء التزاماً تامّاً بقواعد اللّعب داخل الاتحاد. واصطفّ ميتسوتاكيس في ولايته الأولى إلى جانب أوكرانيا في الحرب الدائرة بينها وبين روسيا، واستمرّ على نهج بلاده في التعاون الوثيق مع «حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، وتعهّد خلال الانتخابات الحالية بالتصدّي إلى تهديدات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، باستخدام اللاجئين كورقة تهديد في وجه أوروبا.