عودة تبادل السفراء بين مصر وتركيا أخيراً، مثّلت خطوة مهمّة على طريق طيّ صفحة النزاع
أمّا الملفّ الثالث، الذي يعكس استمرار جهود تركيا لضبط علاقاتها مع الخارج، فهو اتفاقها مع مصر قبل أيام على تبادل السفراء بينهما، بعد قرابة تسع سنوات من قطع علاقاتهما الديبلوماسية في عام 2014، إثر إطاحة حكم الرئيس «الإخواني» الراحل محمد مرسي، والانتخاب اللاحق لعبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية المصرية. منذ ذلك التاريخ، دخلت العلاقات في مرحلة توتر شديد، تبادل مسؤولو البلدَين في خلالها النعوت القاسية؛ إذ وصف إردوغان السيسي بـ«القاتل» و«الانقلابي» وما شابه، وصولاً إلى رفض الرئيس التركي أثناء مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2014، الجلوس إلى طاولة الغداء نفسها حيث كان يجلس نظيره المصري. وفاقم من التوتّر بين البلدَين، التدخّل التركي العسكري المباشر في الحديقة الخلفية لمصر، أي في ليبيا، ومن ثمّ ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، وتوقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية بين أنقرة وحكومة طرابلس التي كان يرأسها فايز السراج. وظَهر نتيجة هذه الخلافات، كما الخلاف بين تركيا وكلّ من السعودية والإمارات، وبين دول الخليج وقطر عام 2017، ما يشبه «البلوك» المتشكّل من مصر ودول الخليج واليونان وقبرص اليونانية، في مواجهة تركيا وقطر.
لكن عودة تبادل السفراء بين البلدين أخيراً، مثّلت خطوة مهمّة على طريق طيّ صفحة النزاع، وخصوصاً أنه أعقبها الإعلان عن خطوة أهمّ، وهي زيارة السيسي «التاريخية» المرتقبة لتركيا في 27 تموز الجاري. وستمثّل هذه الزيارة، التي تأتي بعد مصافحة أولى بين إردوغان والسيسي على هامش مونديال قطر، مناسبة مهمّة لتنقية العلاقات ممّا تبقّى فيها من شوائب، والبحث عن حلول للمشكلات التي لا تزال عالقة، من الوضع في ليبيا، إلى نشاط «الإخوان المسلمون» ولا سيما الإعلامي في تركيا، إلى الوضع في شرق المتوسط على صعيد الطاقة، بما يشمل ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وستلي زيارة السيسي لأنقرة، جولةٌ لإردوغان على ثلاث دول خليجية هي: السعودية والإمارات وقطر، وُصفت بأنها أولاً لشكر تلك الدول على الدعم الكبير الذي قدّمته خلال الحملة الانتخابية لدعم الليرة التركية، وبالتالي دعم فرص إردوغان في الفوز بالرئاسة، علماً أن الأموال المُشار إليها قُدّرت بما لا يقلّ عن خمسين مليار دولار. أمّا الهدف الثاني منها، فهو محاولة تحصيل مزيد من الأموال من البلدان الخليجية لحساب برنامج الحكومة الاقتصادي الجديد، فيما الهدف الثالث، نيل الدعم التمويلي اللازم أيضاً للتحضير للانتخابات البلدية في آذار المقبل، في ظلّ تصميم إردوغان على استعادة بلديتَي إسطنبول وأنقرة من يد المعارضة، وهو ما يقول مسؤول تركي لم يعلَن عن اسمه، إن الرئيس يتطلّع من أجله إلى جمع ما لا يقلّ عن 25 مليار دولار. وتأتي الجولة المرتقبة بعد أسبوعين تقريباً على زيارة للإمارات قام بها وزير المال، محمد شيمشيك، ونائب رئيس الجمهورية، جودت يلماز، لتعزيز العلاقات الثنائية الاقتصادية، ولا سيما زيادة الاستثمارات الإماراتية في تركيا. والجدير ذكره، هنا، أنه لا يمكن وضع العلاقات مع الدول الخليجية الثلاث في كفّة واحدة؛ فهي في ما يتّصل بالسعودية والإمارات تندرج في إطار «استعادة العافية»، وبلورة آفاق التعاون الجديد الثنائي كما على الصعيد الإقليمي، بينما مع قطر تتّسم بطابعها الاستراتيجي في كلّ الميادين.
وفي خضمّ كلّ هذه الحركة التركية الواسعة على صعيد السياسة الخارجية، والتي تسعى لتكريس خيارات بدأت قبل الانتخابات الرئاسية في 28 أيار الماضي، فإن التساؤل الأكبر سيبقى قائماً حول التعثر الذي يواجه تقدم مساعي المصالحة بين تركيا وسوريا.