تكثر الإشاعات حول بيع تركيا لعدد من مؤسّساتها العامة الكبيرة، مثل الخطوط الجوية التركية، أو شركة أنابيب النفط
وتعليقاً على جولة إردوغان الخليجية، يقول مراد يتكين إن «الاقتصاد التركي يمرّ بأزمة عميقة، وليس أدلّ على ذلك من أن الزيادات الكبيرة في الضرائب (أكثر من 20%) على منتجات الطاقة وغيرها، قد أذابت الزيادات على الرواتب التي أُقرَّت في مطلع الشهر الجاري». لهذا، فإن اعتراضات شركاء إردوغان على هذه الزيادات «لا قيمة لها»، لأن «الحصان مرّ في اسكودار (حيّ في إسطنبول)»، وفق المثل التركي الشائع، «وانتهى الأمر»، أي إن إردوغان فاز في الانتخابات ونال مراده ولا يعير أهميّة لمنتقديه من شركائه. ويتوقّف يتكين هنا، كما الصحافي فهيم طاشتكين في صحيفة «غازيتيه دوار»، عند ادّعاء الكاتب المعروف، سيمور هيرش، بأن موافقة تركيا على انضمام السويد إلى «حلف شمال الأطلسي» جاءت نتيجة اتّفاق بين إردوغان ونظيره الأميركي، جو بايدن، يقضي بأن تحصل أنقرة على قروض تُراوح قيمتها ما بين 11 و13 مليار دولار من «صندوق النقد الدولي»، وهو ما يعدّ، في حال صحّته، مستهجَناً، نظراً إلى أن الرئيس التركي ظلّ يتباهى بواقع أن بلاده سدَّدت، منذ سنوات بعيدة، ما عليها من ديون للصندوق، بل وباتت هي التي تقرضه. وفي هذا الإطار، يرى خبراء اقتصاد أتراك أن إردوغان لن يعثر على مراده في الخليج، وسيضطرّ للعودة إلى «صندوق النقد الدولي» لاحقاً، وأن صورة تركيا الباحثة عن المال في الخليج ليست مريحة للمستثمرين، وتدفعهم إلى النزوح عنها.
لكن يتكين يستبعد زعم هيرش، قائلاً إن المبلغ المقترَح ليس كبيراً لإنقاذ تركيا، كما أن عقيدة إردوغان لا تدفع في الاتّجاه المتقدّم، فيما «صندوق النقد» لا يسير تلقائيّاً كما لو أنه مجرّد أداة أميركية. لذلك، لجأ الرئيس التركي إلى إجراءات جراحية عبر زيادة الضرائب على استهلاك الطاقة، ومن ثمّ ذهب إلى الخليج لجمع المال والبحث عن إنقاذ لمأزق الاقتصاد التركي. وبدوره، ينتقد النائب السابق عن «حزب العدالة والتنمية»، بدر الدين يلديريم، هذه الزيادات، قائلاً إن تركيا لم تَعُد قادرة على التحكُّم بسلسلة الزيادات على الضرائب، وإن الارتفاع في أسعار استهلاك الطاقة كسر ظهر الأمّة و«يجب وضع حدٍّ للفساد والهدر في القطاع العام»، مبيّناً أنه «في السنوات الخمس الماضية، تمّ التهرّب من دفع 200 مليار دولار تقريباً من الضرائب، والآن تأتي زيادات مماثلة على الطاقة، فهل هكذا يدار البلد؟»، يتساءل يلديريم.
وانتهت زيارة إردوغان إلى السعودية، بتوقيع خمسة اتفاقات للتعاون في مجال الاتصالات والإعلام والطاقة والصناعات العسكرية، وتحفيز الاستثمارات. وإذ قدّر الرئيس التركي حجم التجارة الخارجية لبلاده مع دول الخليج، بـ22 مليار دولار، فهو وصف زيارته إلى قطر بأنها ممتازة على كلّ الصعد، على أمل أن يصلح «العطّار» الخليجي ما أفسده الدهر التركي. وكال الباحث برهان الدين دوران، المقرّب من إردوغان، على خلفية ذلك، المديح لسياسة الرئيس التركي الاستثمارية الجديدة، وقال: «كما نجح في سياسة استخدام القوّة الخشنة في القوقاز وأثناء حصار قطر، ها هو ينتقل من مرحلة التوتّرات إلى مرحلة التطبيع مع الكثير من الدول». وأضاف دوران، في صحيفة «صباح»، أن تركيا، وبعدما سيّرت الحملات العسكرية في سوريا وشرق المتوسط وليبيا، لم تَعُد ترى ضرورة لاستخدام لغة التوتّرات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
على صعيد آخر، تَذكر «يني شفق» أنه من بين المشاريع الكبيرة التي يبحثها إردوغان، استكمال «طريق التنمية»، الذي أَعلن عنه العراق، في نهاية أيار الماضي، والذي ينقل الصادرات الخليجية برّاً عبر بلاد الرافدَين وصولاً إلى تركيا ومنها إلى الأسواق الأوروبية. لكن الأهمّ في مشروع هذا الطريق، أن تصبح بوابة «أوفاكوي» التركية في الزاوية الغربية من الحدود مع العراق وعلى مقربة من الحدود السورية، مركز هذه التجارة التي يمكن أن تمرّ عبرها سنوياً صادرات بمليارات الدولارات. ومن «ميزات» الطريق المذكور أنه يمرّ من الجنوب إلى بغداد ومنها عبر المناطق السنّية إلى محافظة الموصل فبوابة «أوفاكوي» من دون المرور بالمناطق الكردية، على أن تبقى بوابة الخابور في المنطقة الكردية وغير البعيدة كثيراً عن «أوفاكوي»، مفتوحة. وبالتالي، ستضمن الطريق المارّة بـ«أوفاكوي» صلة الوصل البريّة بين التجارتَين الأوروبية والخليجية. وتلفت الصحيفة نفسها إلى أن معظم تجارة دول «مجلس التعاون الخليجي» مع أوروبا، تمرّ عبر قناة السويس، فيما يمكن لـ«طريق التنمية» الذي سيكلّف حوالى 17 مليار دولار، ويلحظ شقّ طريق برّي وسكة حديد، أن يختصر الوقت للصادرات الأوروبية والخليجية عبر تركيا والعراق بصورة كبيرة، وصولاً حتى إلى ميناء «الفاو» العراقي، وأن يضاعف حجم التجارة المارّة عبر تركيا.