وأعطى وزير المال مثالاً على ذلك «كتاب رئاسة مجلس الوزراء إلى وزارة المالية لبيان رأيها بطلب وزارة الخارجية الموافقة الاستثنائية على قرار نقل سكرتير في السلك الخارجي من الإدارة المركزية إلى الخارج. وكان جواب المالية آنذاك أنه من الناحية القانونية يعود لمجلس الخدمة بيان الرأي، كما يقتضي الحصول على الموافقة الاستثنائية لرئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء بما أن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال».
بناء على ما سبق، طلب الخليل من بو حبيب إيداعه رأي مجلس الخدمة المدنية والموافقة الاستثنائية لرئيس الحكومة، وتحديد الأثر المالي المترتب على إجراء التشكيلات وملء المراكز والإفادة عن مدى توافرها في موازنة وزارة الخارجية. علماً أن كتاب الخليل لناحية طلبه استكمال الملف وتضمينه رأي مجلس الخدمة المدنية والموافقة الاستثنائية لرئيس الحكومة لا يتناسب وصلاحيته المحصورة بإبداء رأيه بالشقّ المالي فقط.
من جهتها، تنفي مصادر حركة أمل أي علاقة لها بالأمر، وتشير إلى أن رد وزير المال على طلب بو حبيب «مطابق حرفياً للردّ الذي أودعه وزير المال إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتاريخ 14 تشرين الثاني 2022 حين طُلبت منه الموافقة على قرار نقل السكرتير في السلك الخارجي يوسف جبر من الإدارة المركزية إلى سفارة لبنان لدى سوريا». ولفتت إلى أن «لا أموال متبقية في احتياطي الموازنة لنقلها إلى موازنة وزارة الخارجية بهدف سدّ تكاليف مشروع المناقلات البالغة 15 مليار ليرة».
المفارقة أن خليل لم يورد هذا التفصيل في كتابه إلى بو حبيب، بل طلب منه تحديد الأثر المالي جرّاء عملية مماثلة من دون إبلاغه بإفلاس الاحتياطي. ويتحمل بو حبيب أيضاً مسؤولية عدم إتمامه الملف قبل الإعلان عنه وإبلاغ المعنيين بالأمر به. إذ إن وزير الخارجية باع الدبلوماسيين «سمكاً في البحر» عبر إبلاغهم وإبلاغ السفارات والبعثات الخارجية بمراكزهم الجديدة مقابل استدعاء دبلوماسيين إلى الإدارة المركزية قبل الحصول على موافقة مجلس الوزراء.
وتشير مصادر حكومية إلى أنه على عكس ما تروّجه الوزارة حول حصولها على موافقة استثنائية من ميقاتي، فإن أي موافقة لم تصدر بعد، وهو ما أبلغه رئيس الحكومة إلى البطريرك بشارة الراعي حين سأله عن الأمر. وتؤكّد المصادر أنه يفترض بوزير الخارجية إيداع الملف كاملاً ليتم وضعه على جدول أعمال الجلسات. إذ إن مفهوم الموافقة الاستثنائية ينطبق فقط على حكومة تصريف أعمال لا تجتمع، وليس في حال عقد الحكومة جلسات دورية كما يجري حالياً. عندها، وبعد تضمين الملف رأي مجلس الخدمة المدنية غير الملزم للوزير (رفض المجلس الموافقة على المشروع في ظل غياب رئيس الجمهورية وبسبب غياب وحدة المعايير في التعامل مع الدبلوماسيين) وكتاب وزارة المال، يُحال إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء ليعرض في جلسة وزارية للمناقشة. ويصبح القرار مناطاً بالوزراء سواء قرروا التقيد برأي مجلس الخدمة المدنية أم لا، على أن موقف وزارة المال هو الأهم لناحية توافر الاعتمادات اللازمة لاتمام عملية المناقلات.
معلوم أن مشروع المناقلات سبق أن واجه اعتراضات من القوى السياسية، وخصوصاً من أمل والتيار، علماً أن لكل منهما أسبابه الخاصّة. إذ يرفض التيار أي تعيينات في غياب رئيس الجمهورية، ويستغرب توقيت تنفيذ هذا المشروع، بينما تحتج أمل على عدم الأخذ بطلبها «الإبقاء على عدد من الدبلوماسيين الشيعة في مواقعهم».
وزير الخارجية باع الدبلوماسيين «سمكاً في البحر»
من جهة أخرى، تقدّم عدد من الدبلوماسيين المستدعين إلى الإدارة المركزية بطعن لدى مجلس شورى الدولة بداية الأسبوع الماضي ضد قرار وزارة الخارجية والمغتربين. وارتكز الطعن على عدم مراعاة المساواة ووحدة المعايير خلال اتمام المناقلات، مستندين إلى أنه تم التعامل مع 32 من أصل 43 من الدبلوماسيين المعنيين بهذه المناقلات. فضلاً عن مخالفة النظام الداخلي الذي يحدد مهام الفئة الثالثة بسبع سنوات بينما لم يمض على مهام هؤلاء في الخارج سوى 4 سنوات. مع الأخذ في الاعتبار رأي مجلس الخدمة المدنية الرافض للمشروع، لأن هذه المناقلات لم تتم عبر اقتراح مقدم من اللجنة الإدارية بل وفق قرار فردي منسق بين شميطلي وبو حبيب فقط.
تجدر الإشارة إلى أن نتائج عملية المبادلة بين الداخل والخارج ليست بسيطة بالنسبة للدبلوماسيين، بل هي ورقة «لوتو» للذاهبين الى الخارج ونقمة على العائدين إلى لبنان. إذ يتراوح الراتب في بيروت بين 70 و100 دولار، فيما يصل راتب الدبلوماسي في البعثات الخارجية إلى نحو سبعة آلاف دولار.