مقالات مرتبطة
لذلك، أظهر ردّ الفعل التصعيدي حجم مخاوف العدو من أن يشكّل الحدث مؤشراً إلى كسر المعادلة الجوية التي توهم بأنه نجح في فرضها، بعد خمسة أشهر من القتال ومراكمة نتائج تكتيكية، وهو ما عبّرت عنه التعليقات بوصف ما حصل بأنه «خطير جداً» و«يعطي صورة سيئة جداً عن الجيش الإسرائيلي وعن سلاح الجو الأقوى في الشرق الأوسط». كما أن هذا الحدث يبدّد الرهانات على «التفوّق الجوي» بالتأسيس لمعادلة مضادّة، أخطر ما فيها أنها ستمتد إلى ما بعد الحرب. أضف إلى ذلك، أن إسقاط المُسيّرة تجسيد عملي للمسار التصاعدي لحزب الله، في وقت يحاول العدو - عبر الميدان والرسائل التهويلية - كبح هذا المسار وتغيير اتجاهه. فضلاً عن أنه يكشف عن إرادة سياسية تستند إلى قدرة عملياتية قادرة على توسيع نطاق الاستهدافات، في الجو كما في البر، حتى لو اعتبر العدو ذلك تجاوزاً لبعض قواعد الاشتباك التي ظن أنه فرضها.
وباعتبار الحدث الجوي حلقة في سلسلة متواصلة، لها ما قبلها وما بعدها، فإن العدو يرى في التأسيس لتقويض حريته العملياتية، مع ما حقّقه حزب الله في فرض «حزام أمني» في الأراضي الإسرائيلية من دون حتى أن يقوم بمناورة برية، إضافة إلى تهجير أكثر من 100 ألف مستوطن، بحسب المعلّق العسكري أمير بوحبوط، ترجمة وتطويراً لموقع حزب الله في القواعد التي تحكم حركة الميدان. وهو ما دفع وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان إلى رفع الصوت محذّراً من أن الحزب «تهديد استراتيجي حقيقي، وإذا لم نغيّر المعادلة فلن يبقى سكان في الشمال».
أظهر ردّ الفعل التصعيدي حجم مخاوف العدو من أن يشكّل إسقاط المُسيّرة مؤشراً إلى كسر المعادلة الجوية
على هذه الخلفية، حرص العدو على تصعيد ردّه بعد إسقاط المُسيّرة بتوجيه ضربات في العمق اللبناني وصولاً إلى محيط مدينة بعلبك وغيرها. وقد هدف من وراء ذلك إلى تسجيل رد ميداني وتوجيه رسالة بأنه مستعد للذهاب إلى أبعد مدى عبر تجاوز خطوط لم يسبق أن تجاوزها، وملامسة سقوف أشد خطورة. إلا أنه من الواضح أن الاعتداء الجديد، وإن كان ارتقاء مدروساً، يندرج ضمن السقوف المتحرّكة للمعركة على طرفَي الجبهة، ولا يؤشر حتى الآن إلى خروجه عن سيطرة أيّ من الطرفين. وهو ما أشار إليه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، بالقول إن كلاً من الطرفين يضرب على يد الآخر عندما يرى أنه تجاوز المربّع الذي تدور ضمنه المعركة، في إشارة إلى حرص الطرفين على تجنّب التدحرج نحو حرب شاملة مدمّرة. وقدّم مثالاً عملياً على ذلك باستهداف حزب الله الجولان، أمس، بعشرات الصواريخ كونها تقع «خارج اللعبة». لكنه عاد وأكد أن المبادرة في كل هذا المسار بدأت من قبل حزب الله. وشدّد عميدرور على أنه «سيكون من الغباء البدء بحرب في لبنان لأن الأمر يتعلق بمصير الدولة (...) قبل أن تتخذ قراراً عليك أن تتأكد بأن الطرف الثاني يدرك المخاطر التي ينخرط فيها. (ولذلك) أحياناً تهدّد ولا تنفّذ». ودعا إلى عدم التوقف عند ذرائع من نوع «أننا قلنا كذا وحزب الله قال كذا... هذا ببساطة أمر غير عميق»، لافتاً إلى أن أيّ حرب ستنشب «ستكون فظيعة».