المفارقة تراجع التوقعات لما قد يسفر عنه الحراك، وشبه الإجماع على عدم قدرته على إحداث أي فارق. ويعزو مطّلعون ذلك ليس إلى الانقسام الداخلي فحسب، بل إلى أن المشكلة من اللجنة وفيها. ففي اللقاءات الأخيرة مع عدد من القوى السياسية، برزت مؤشرات كثيرة على وجود تنافر بين السفيرين الأميركي والسعودي بدءاً من اللقاء الأول مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة. في تلكَ الجلسة، قال بري إنه لا يمانع عقد حوار من دون رئاسته على أن يتولى ذلك نائب رئيس المجلس، ما دفع جونسون إلى وصف اللقاء بـ«الممتاز». لكن بري أشار، في الجلسة نفسها، إلى ممانعة بعض القوى السياسية مبدأ الحوار من أصله، سائلاً عمّا إذا كان بإمكان «جهات صديقة» التدخل لديهم، ففهمت السفيرة الأميركية من ذلك إشارة إلى دور سلبي سعودي يستند إليه بعض من في الداخل لرفض الحوار. وتأكّد ذلك أثناء زيارة اللجنة لمعراب. فرغمَ اتفاق أعضاء الخماسية على الحضور في الموعد نفسه، وصل البخاري إلى معراب قبلَ ساعة من موعد اللقاء، الأمر الذي استفزّ السفيرة الأميركية التي لمست وجود نشاط مستقل للبخاري عن عمل اللجنة، ودفعها خلال الجلسة إلى سؤال رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع عن سبب موقفه الرافض للحوار بشكل فُهِم منه أنها تتقصّد إيصال رسالة معينة للسفير السعودي.
لا يتعامل الأميركي حتى الآن بجدية مع ملف الانتخابات الرئاسية
وفي هذا الإطار، تقول مصادر مطّلعة على عمل اللجنة إن أعضاءها «منقسمون حول رؤيتهم للحل في لبنان. ففي مقابل تفاهم براغماتي إماراتي - قطري على مقاربة الملف اللبناني، يتعاطى الفرنسيون والسعوديون مع القوى السياسية بمنطق ردّ الفعل. فباريس تعتبر أن المسؤولين اللبنانيين أجهضوا مبادرتها وساهموا في تهميش دورها وقطع الطريق أمامها لحجز موقع في لبنان، فيما لا تزال الرياض عند رأيها بأن استثمارها في الداخل اللبناني لم يجدِ نفعاً ولم يحقّق لها أي مصلحة. فيما يظهر الجانب المصري حياداً سلبياً يبدو معه بلا دور بارز».
غير أن التطور الوحيد في الأيام الأخيرة، وفق المصادر، تمثّل في بداية تقارب أميركي – فرنسي بعد محادثات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في باريس وتلاقيه مع نظيره الفرنسي ستيفان سيجورنيه على ضرورة تفادي توسّع الصراع في لبنان وإيجاد حل دبلوماسي، والتأكيد على التنسيق مع فرنسا في هذا السياق. وقالت أوساط متابعة إن اللقاء كان يستهدف الوصول إلى اتفاق على دمج «الورقة الفرنسية» التي قدّمها سيجورنيه لوقف إطلاق النار في الجنوب مع ما يُعرف بالاتفاق المتدرّج لتطبيق القرار 1701 الذي قدّمه الموفد الأميركي عاموس هوكشتين. غير أن المصادر نفسها لفتت إلى أن كل الحراكات التي تشهدها بيروت لن تصل إلى مكان، ما دام الراعي الأقوى لأي اتفاق، أي الأميركي، لا يتعامل حتى الآن بجدية مع ملف الانتخابات الرئاسية وينصبّ اهتمامه على الوضع الأمني جنوباً.