ضم الكتاب مجموعتيه السابقتين مع مجموعة ثالثة حملت عنوان «دوزنات» لم تنشر سابقاً. قصائدها تنوش ذاكرة الحرب التي عاشها جندياً، والحياة التي عاشها لصيقاً بالخوف والحزن والهشاشة، فضلاً عن العديد من الكتابات النقدية حول حياة الشاعر وتجربته، بقلم نقاد وشعراء عرفوا تجربته عن كثب (كاظم جهاد، حاتم الصكر، أوروك علي، كريم ناصر، علي البزاز، خليل مزهر الغالبي، كريم شلال ومازن معروف).
حاولت هذه الكتابات أن تلامس حساسيته الشعرية، وقلقه الشخصي، وهروبه من الشهرة، ورؤيته الشعرية التي انحاز فيها الى كتابة قصيدة النثر، تماهياً مع روادها، أنسي الحاج بشكل خاص، دونما تأثير واضح من أقرانه الشعراء الذين انشغلوا بهوس المغامرة والتجريب أمثال: شاكر لعيبي، خزعل الماجدي، زاهر الجيزاني وهاشم شفيق وغيرهم. حتى بدت قصيدته لصفائها تميل إلى الاكتفاء بنفسها، فلا نجد تناصات واضحة، ولا مقاربات مجاورة لشفرات التاريخ أو للخطاب الديني والأسطوري. انشغلت قصيدته بفكرة البحث عن المعنى، والتوقف عند الجملة القصيرة المحببة التي تستغرقه بإحساس غامر بكثافة الوجود، مع افتضاح ملتبس لرهاب «الأنا» التي تتكئ على الحلم كثيراً. رغم قصرها، تكتظ جملته بالاستعارات التي تكشف عن قسوة اغترابه الداخلي، وإحساسه العميق بالموت.
استعادة عقيل علي المولود عام 1949 بعد رحيله في 15/5/2005 تكشف عن جوانب خبيئة في الزمن الشعري العراقي، إذ يرث الشاعر الكثير من مراثي الخوف القديم، فهو يكتب موتوراً، فزعاً، يخشى أن تطاله أشباح السلطة، أو أشباحه الشخصية. يبحث عبر الكتابة عن اطمئنانات واهمة لا تنقذه من «سأم المدينة» البودليرية التي جاءها متأخراً في التسعينيات باحثاً عن شغف قديم. لكنها لم تُسعفه، لأنها مدينة محاصرة مثله، وأفقدته الكثير من توازنه رغم توهجه الشعري الذي أثار حسد الآخرين وشككوا بتجربته الشعرية. ولولا جهود صديقه الشاعر والمترجم كاظم جهاد بالعمل على جمع قصائده لفقدنا أثره، فقد نشر ديوانه الأول «جنائن آدم» عام 1990 في «دار توبقال»، وكذلك طبع ديوانه الثاني «طائر آخر يتوارى» عام 1992.
يقترح كاظم جهاد قراءة لشعرية عقيل علي عبر عنونة مقدمته النقدية «أبعد من الصمت ينتشر/ كدح فضاء شاسع». يضع القارئ أمام الكثير من فيوضات الشعر الذي يساكنه، والذي يضعه عند لحظة استنفار غريب، يهيم بالحياة، لكنه لا يطمئن إليها. يطارد المعنى فيوخزه عبر شفراته ليكون أكثر شراهة في التعبير عن وجوده المضلل، والعائم، إذ تكون صعلكته الوجودية والكحولية احتجاجاً على هذا الوجود. ويضعنا الناقد حاتم الصكر أمام شعرية السبعينيات وحضور عقيل علي في أجوائها الصاخبة. يجد في انعزال عقيل علي عنهم بمثابة الحضور الضد، لإبراز خصوصية قصائده ومذاقها الخاص، وتمردها على الصوت الأيديولوجي الحاضر بقوة في الوسط الشعري العراقي. هذا الكتاب الاستعادي عن الشاعر عقيل علي يتيح للكثير من قرائه معرفته عن كثب، فكتبه التي صدرت في التسعينيات لم تصل من نسخها الى بغداد إلا مجموعة قليلة. وهذا ما دفع صاحب «مؤسسة أوروك» إلى القول في مستهلّ الكتاب: «تتبعت المؤسسة كل نتاجه وأوراقه الشخصية ونشرت بعض القصاصات بخط يده للتوثيق. هذه النصوص كاملة ما عدا ثلاثة نصوص هي «دوزنات» بحوزة الشاعر السوري نوري الجراح ولم نستطع الحصول عليها». هذا الحرص على استعادة موروث الشاعر وأوراقه يلقي بظلاله على «فقدانات» كثيرة في الذاكرة الشعرية العراقية المعطوبة برعب التاريخ والحروب والهجرات.
تكتظّ جملته بالاستعارات التي تكشف عن قسوة اغترابه الداخلي