الحوار مع اللواء جبريل الرجوب، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يتشعب في أكثر من اتجاه يرتبط بالقضية الفلسطينية ومسارها بعد الاتفاق الداخلي، والاستحقاقات المفترضة، ولا سيما الملف الأمني، إضافة إلى تعامل منظمة التحرير مع قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق ولبنان خصوصاً، بعد الكشف عن شبكة «فتح - الإسلام» في مخيم نهر البارد. وفي ما يلي نص الحوار:
- أظنّ أن التوافق الفلسطيني على حكومة هو بحد ذاته إنجاز، ومباشرة الحكومة أعمالها هي لحظة تاريخية ومنعطف مهم في العمل الوطني الفلسطيني. ولكن الأهم من ذلك هو آليات العمل المستقبلية، تأليف الحكومة هو البداية، سطر في مجلد، خاتمته يجب أن تكون إنجاز الاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية الديموقراطية، بتعددية سياسية، وبقبول طوعي لتداول السلطة بشكل سلمي من خلال صندوق الاقتراع.
هذا يحتم على أطراف اتفاق مكة وقفة تقويمية مع الذات ومراجعة مشتركة، لتوصيف التحدي السياسي والإيديولوجي ومفهوم السلطة ومكانتها في منظومة العمل الوطني، ومفهوم الشراكة وآليات تطبيقها في الممارسة الوطنية لا الثنائية.
- أقصد مراجعة وطنية، يجب أن نخرج إلى العالم بتوصيف واحد للنضال. هل هو نضال وطني أم إسلامي؟ يعني انا فلسطيني ومسلم، و«حماس» حركة وطنية، وجزء من حركة التحرر الوطني ببعد إسلامي، لكنني لا أستطيع أن أقبل أن يكون النضال الفلسطيني طابعه أو جوهره أو أهدافه، مرتبطة بأي حركة أصولية إسلامية، بغض النظر عن النيات وعن الأخلاق وعن القيم وعن التاريخ وعن إسلاميتي، لكن أنا وطني، وأصر على أن يكون طابع النضال وجوهره وطنياً وبمفاهيم وطنية، لا بمفاهيم أيديولوجية، لأسباب لها علاقة بالتاريخ والجغرافيا، ولها علاقة باستحقاقات إقليمية ودولية على الفلسطينيين أن يؤدوها.
- أنا أفترض بأن المراجعة يجب أن تكون ثنائية «فتحاوية» و«حمساوية» وبالسرعة الممكنة يتم نقلها إلى الساحة الوطنية، ويكون هناك تفكير بصوت مرتفع لكل الفلسطينيين، بمعنى أطيافهم السياسية وخلاياهم وقواهم الحية، للتعبير عن رؤيا استراتيجية سياسية وامنية ولآليات العمل المرتبطة بالحياة اليومية والطموح الوطني الفلسطيني.
- أنا ضد الاتفاق الثنائي، وأؤيد الاتفاق الوطني الشامل. أما وقد بدأ اتفاق مكة وانتهى باتفاق مكة ثنائياً، فإذاً على الطرفين أن يقدّما رؤية موحّدة وتوصيفاً موحّداً وواضحاً لكل الشعب الفلسطيني للنضال، لكن الاتفاق يجب أن يكون وطنياً لا ثنائياً.
- المنظمة هي أساس المراجعة السياسية المطلوبة. إحياء المنظمة وإعادة صياغتها وتأمين إلحاق والتحاق كل القوى السياسية فيها، يجب أن تكون ضمن الأولويات، التي تشمل الآليات والأهداف ووسائل تحقيق الأهداف، لذا فالمنظمة يجب أن تكون البند الرقم واحد على جدول المراجعة السياسية.
والبحث يجب أن يكون حول دور المنظمة ومكانتها؛ فعندما نتحدث عن دور السلطة ومكانتها ومفهومها، يجب أيضاً إحياء المنظمة وتحديد مكانتها في منظومة العمل والاستقرار. ويجب أيضاً تحديد مكانة الرئاسة والحكومة في هذه المنظومة، ويجب ان يتم تحديد مفهوم الأمن وأطر تحقيقه.
- أولاً يجب الإشارة إلى دور دمشق في العملية السياسية الفلسطينية، وأنا أول من قال إن الوحدة الوطنية الفلسطينية يجب ان تمر عبر دمشق. وقلت منذ البداية إن من يتطلع إلى إقامة وحدة وطنية فلسطينية عليه أن يذهب إلى دمشق. وأعتقد أن من دون زيارة (الرئيس محمود عباس) أبو مازن، ما كان بالإمكان انجاز اتفاق مكة.
من هنا، نقول إن سوريا لاعب محوري على المستويين الإقليمي والدولي، وتحديداً في الشأن الفلسطيني. ولا أعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك تجاهل للدور السوري أو للدور الفلسطيني المقيم في سوريا، وهذه المسألة من أبجديات العمل السياسي في هذه المرحلة. بإمكان الناس أن يغيروا التاريخ، لكن ليس بإمكانهم أن يغيروا الجغرافيا.
- أنا لا أقبل أن يتم الحديث عن عقبات. هذه تحديات لا بد من تذليلها بنوايا حسنة ورغبة صادقة وبآليات عمل واضحة لكل الفلسطينيين. أنا لا أعتقد ان هناك تباينات في الأهداف الاستراتيجية لكل القوى السياسية الفلسطينية.
- نعم، اعتقد ان «حماس» حركة براغماتية وواقعية عبّرت عن سلوك مسؤول في كثير من المحطات في المرحلة الأخيرة. مشاركة «حماس» في الانتخابات كانت خطوة متقدمة ومتطورة، أما عن تعاطيها في ما بعد، وما إذا كانت ارتكبت أخطاء وسقطت في مطبات هنا وهناك ونقص تجربتها السياسية، فهذا موضوع آخر. لكن في المحصلة النهائية اعتقد ان حركة «حماس» قامت بسلسلة من الخطوات النوعية باتجاه توصيف واضح لأهداف النضال الفلسطيني المرتبطة بالشرعية العربية والشرعية الدولية كمرجعية لحل الصراع، وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود عام 1967. وأنا لا اعتقد أن المطلوب من «حماس» أن تقول أكثر مما قاله زعماؤها في هذا الموضوع.
- أعتقد ان الأمن الفلسطيني يواجه ثلاثة مخاطر. الأول، مرتبط بالتجاذبات الإقليمية والأجندات الإقليمية والدولية. والثاني هو الأجندات الفصائلية. والخطر الثالث هو أجندات أمراء الأمن.
معالجة هذه المسألة تكون بصياغة أو التوافق على استراتيجية أمنية، يجب أن تتضمن مفاهيم وطنية واضحة وموحّدة، سياسياً وقانونياً ومهنياً لدى منتسبي الأجهزة الأمنية، ولدى المجتمع المدني، ولدى الفصائل والقوى السياسية.
من هنا كان إنشاء مجلس الأمن القومي، كوسيط بين الأمن والمجتمع المدني، وكوسيط بين الأمن والفصائل السياسية، وما بين الأمن والغلاف الإقليمي والدولي. وأعتقد ان هذه الشروط كفيلة بمحاصرة الفلتان الأمني، وبمواجهة العناصر المسيئة باسم الأمن، لأن هذه الصيغة تسقط عنهم الشرعية، وتضعهم عراة تحت أشعة الشمس.
- لا أعتقد ان «القاعدة» يمكن أن تؤسس وتؤصّل لقاعدة عمل وارتكاز في فلسطين. نحن نأمل من الأخوة في «القاعدة» أن يعفوا فلسطين من أجنداتهم، ويعفونا من صراعاتهم وأهدافهم، نحن لسنا بحاجة إلى ذلك. الشعب الفلسطيني واعٍ ومسيّس ومدرك لمتطلبات واستحقاقات المرحلة. واعتقد أن درجة النضج الوطني الفلسطيني ستحول دون أي اختراقات تتعارض مع مصلحتنا ومع مشروع إقامة نظام وطني مرتبط بمنظومة الاستقرار بمستواها الإقليمي والدولي.
- أعتقد ان هذه القضية يجب أن تناقش بمنظور قانوني، وفي الوقت نفسه بمنظور المصلحة. وفي حدود معلوماتي أن هناك حواراً داخلياً لتجاوز هذا الموضوع بما يضمن أن تكون هناك صيغة مريحة للجميع.
أنا شخصياً ضد اي خرق قانوني للقانون الأساسي، لأن الخرق من جانبنا، سيكون سابقة لغيرنا، يجب ان نتصرف كما نتوقع من الآخرين أن يتصرفوا. وأنا ليس لدي مشكلة مع شخص محمد دحلان أو غيره.
- أولاً، إن موضوع التوطين غير وارد إطلاقاً، والتوطين لن يكون إلا في فلسطين. وأعتقد ان المبادرة العربية واضحة في ما يتعلق بالقرار الدولي 194، وليس هناك أي دولة عربية حتى هذه اللحظة، وحتى في المستقبل، عرضت أو طالبت أو اقترحت إعادة فتح المبادرة. من يتكلم عن فتح المبادرة هم الإسرائيليون، وهذا لا يعني العرب والفلسطينيين.
التقيت السبت الماضي الأمين العام لجامعة الدول العربية (عمرو موسى)، وسمعت منه أن أي دولة عربية لم تطلب إعادة البحث في المبادرة، بل على العكس. الجميع متمسك بالمبادرة كما هي ووزراء الخارجية العرب اجتمعوا وأكدوا ذلك. ومن هنا ليس هناك أي قلق فلسطيني.
- هذا كلام غير صحيح. حتى إن أحد اسباب فشل مفاوضات كامب ديفيد هو موقف أبو مازن الثابت في موضوع اللاجئين وحق العودة. ثانياً، أن اي اتفاق مع إسرائيل سيطرح على استفتاء على الشعب الفلسطيني، فليطمئن أصحاب النوايا الحسنة (يبتسم) القلقين على مستقبل اللاجئين الفلسطينيين بأن هذا موقف أبو مازن، مع أني لست متحدثاً باسمه.
- هناك مشكلة، وآمل أن يتم إقناع أحد الأطراف العربية لاستيعابهم مؤقتاً كضيوف إلى حين حل مشكلة الصراع وعودتهم إلى وطنهم. حقيقة الجالية الفلسطينية في العراق تعاني، وهناك خطر عليها ونأمل من النظام الرسمي العربي الارتقاء إلى مستوى حل هذه المعضلة والمأساة، فالفلسطينيون هناك يعيشون حالة كارثية.
- هذه المجموعة لا علاقة لها بحركة «فتح» او بالشرعية الفلسطينية، وأعتقد ان ما تقوم به هذه المجموعة لا يخدم اهدافنا أو مصالحنا ولا قضيتنا. معركتنا مع الاحتلال داخل فلسطين، وليس هناك لنا معركة مع أحد خارج فلسطين.
- الجانب الفلسطيني في لبنان ليس لديه «ضابطة عدلية» ولا كفاح مسلح ولا سلطة قانونية، هذه مسؤولية الدولة. وهناك جهد يقوم فيه مندوب المنظمة في الساحة اللبنانية، ويجب أن يتعاون الفلسطينيون مع أركان الحكم اللبناني لمنع تحويل مخيماتنا ووجودنا إلى عنصر توتر، لأن مردود ذلك سيكون سلبياً علينا وعلى شعبنا. واستقرار المخيمات هو هدف كل القوى والأطياف في الساحة السياسية الفلسطينية.
ليس معتكفاً
غزة ــ رائد لافي
نفى اللواء جبريل الرجوب أمس الأنباء التي تحدثت عن اعتكافه في الأردن اعتراضاً على تعيين القيادي «الفتحاوي» محمد دحلان مستشاراً للأمن القومي.
وقال الرجوب، الذي كان يشغل المنصب نفسه في عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات، لـ «الأخبار»، إنه استقال من منصبه تطبيقاً للقانون الذي ينص على ضرورة ألا يتبوأ المرشح لعضوية المجلس التشريعي أي منصب أو عمل. وفيما نفى أن تكون له علاقة بالأمن ومجلس الأمن القومي، وصف المؤسسات الأمنية الفلسطينية بأنها «سيرك».
وبدا الرجوب غاضباً بشدة من المعلومات المتداولة في شأن سخطه على قرار تعيين دحلان، التي وصفها بأنها «عهر». وقال «ليس بيني وبين دحلان أي خلاف»، محاولاً التدليل على صحة حديثه بقوله إن «صرمة (حذاء) دحلان أفضل من رؤوس بعض من شغلوا مناصب أمنية».
وكان الرجوب يعقّب على المعلومات التي أشارت إلى أنه قرر الإقامة الطويلة في الأردن احتجاجاً على أن «القيادة الفلسطينية خذلته باستبداله من منصبه الأمني، وتعيين غريمه السياسي دحلان بدلاً منه». ووفقاً للمعلومات نفسها، التي نسبتها وسائل الإعلام إلى مصادر فلسطينية مطلعة، فإن اللواء الرجوب رأى أن هذا المنصب حقاً له، وأنه فوجئ بتعيين دحلان، وأنه سيصعد بقوة ضد قرار التعيين.
من مواليد عام 1954 في بلدة دورا في قضاء الخليل. اعتقل أكثر من مرة من قبل سلطة الاحتلال، التي أبعدته في عام 1988 إلى لبنان، ومنه غادر إلى تونس حيث توطدت هناك علاقته بالزعيم الراحل ياسر عرفات، الذي عينه في عام 1994 مسؤولاً عن الامن الوقائي في الضفة الغربية، ومن ثم مستشاراً للأمن القومي أواخر العام 2002