توقيت إعلان طهران عدم نية الرئيس حسن روحاني زيارة السعودية لأداء مناسك الحج لم يأت صدفة. صحيح أن الرابط بينه وبين زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن ليس عضوياً، لكن علاقته بما جاء على لسان الرئيس باراك أوباما وبعض مسؤولي الإدارة الأميركية لا شك في أنها مباشرة. وكل ذلك بني على واقعة مفصلية: ذاك الاتصال الهاتفي الشهير.
الأجواء الاحتفالية التي عمّت واشنطن على خلفية «كسر جليد» العلاقات بين العدوين اللدودين لا بد مبررة. في النهاية، أوباما لم يدفع أي ثمن في مقابل فعلته. حتى مبادرته إلى الاتصال، التي أقنعت الطرف الآخر في تلبيته، أعاد الأميركيون إنتاجها بما يخدم مصلحتهم تحت عنوان أن كل أعداء أميركا سيعودون إليها مهما طال الزمن. حال لم يكن مشابهاً في طهران، حيث ظهر الامتعاض جلياً لدى الكثير من التيارات الفاعلة، التي عبرت عن نفسها لوماً وانتقاداً في أكثر من محفل مؤثر. أساس اللوم مبني على نظرية أن روحاني استعجل إعطاء أوباما «قبلة مجانية». بل «الأنكى» أن الرئيس الأميركي، عوضاً عن أن يقدر التضحية التي قام بها نظيره الإيراني، تصرف بشكل متعجرف، هو وإدارته. الأول بحديثه أمام نتنياهو عن أن كل الخيارات لا تزال على الطاولة، وفي مقدمها الخيار العسكري، وعن أن العقوبات آتت ثمارها، وهي التي جعلت إيران تعتمد خيار التقارب مع أميركا. والثاني بحديث مسؤوليها، وفي مقدمتهم سوزان رايس عن ضرورة أن تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم.
والكلام على «تضحية» من روحاني ليس مجازياً. في النهاية هو ليس مواطناً إيرانياً عادياً يجري اتصالاً من رئيس الدولة التي لا تزال مصنفة في إيران على أنها «الشيطان الأكبر». هو الرئيس. واستجابته للمكالمة الأميركية تعتبر، من منظور السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، تنازلاً كان يمكن كل الرؤساء الإيرانيين السابقين أن يفعلوه، ولكنهم أبوا ذلك. بل إن روحاني كان «كريماً كفاية»، بل «مرناً بما يكفي» ليجري سلسلة مقابلات مع شبكات التلفزة الأميركية لم يأت في خلالها ولا مرة على ذكر المآسي التي سببتها واشنطن لإيران على مدى تاريخها، ولو من باب التذكير. ما كانت المكافأة؟ ذاك التصريح «المطمئن» لإسرائيل.
ظل الرفسنجانية
وما علاقة ذلك بزيارة السعودية؟ في الشكل يبدو الموضوعان منفصلين. ولكن في الجوهر يتطابقان، إن في المبنى الذي أقام عليه روحاني استراتيجيته، أو في التكتيك المتبع.
لكن قبل الغوص في هذا البعد، لا بد من التذكير بالسياق الذي انتخب فيه روحاني وشكل عاملاً مفصلياً في بناء إدارته. تحالف الإصلاحيين و«كوادر البناء» في وجه المبدئيين، ما أدى إلى وصول «الأصولي المعتدل» إلى سدة الرئاسة. بمعنى آخر، تحالف الخاتميين (نسبة إلى محمد خاتمي) مع الرفسنجانيين (نسبة إلى هاشمي رفسنجاني) الذي أنتج بدوره إدارة هي عبارة عن خلطة من الفريقين. صحيح أن روحاني لم يكتف بها، وكان حريصاً على أن يعين مسؤولين ووزراء يمثلون كافة الأطراف الفاعلة في إيران، تشكل بالنسبة إليه قنوات تواصل مع الجميع وفي الوقت نفسه إرضاءات للكل. وصحيح أيضاً أن الأسماء التي اختارها من الكفاءات في مجالات اختصاصها ولا تقع مئة في المئة في سلّة أي من الرئيسين السابقين، بما يترك له استقلالية عنهما. لكنها في النهاية إدارة تعبّر عن المزاج السياسي للرجلين، مع فارق أساس أن روحاني «أذكى من أن يأتي بتصرفات تخرج عن السقف الذي حددته قيادة المرشد». وبالتالي إن نهجي رفسنجاني وخاتمي يشكلان مكوناً عضوياً لسياسة روحاني.
المهم في هذين النهجين، في سياق هذا البحث، موضوع الانفتاح على أميركا والسعودية. في الأولى، تقول النظرية التي أصّل لها رفسنجاني، إن الصراع مع «الشيطان الأكبر» لا يمنع إقامة اتصالات أو حتى علاقات دبلوماسية معه، بدليل أن الاتحاد السوفياتي، وفي أوج حربه مع الولايات المتحدة، كان لديه سفارة في واشنطن ويستضيف سفارة أميركية في موسكو. ويضيف أن سياسة كهذه، بمعنى إدارة الصراع مع الغرب، وأميركا تحديداً، بناءً على هذه الرؤية، يُفقد الآخر الذرائع التي تسمح له بحصار إيران وتسمح بالتالي للجمهورية الإسلامية بحد أقصى من الحركة الدولية، وخاصة على المستوى التجاري، بما يعزز اقتصادها ويدعم نموه. طبعاً مقاربة من هذا النوع أخذت منحى آخر عند بعض الخاتميين، وصل في مرحلة من المراحل إلى حد اعتبار أن لا مشكلة للولايات المتحدة مع إيران، بل إن هذه الأخيرة هي التي افتعلت العداء، وبالتالي بمجرد أن تنفتح طهران على واشنطن فإن جميع المشاكل والخلافات ستنتهي. ويدعي البعض أن وزير الخارجية الحالي، محمد جواد ظريف، كان قريباً من هذه المدرسة، هو الذي أمضى سنوات كثيرة من حياته في الخارج. أما في موضوع السعودية، فتقول الرفسنجانية إنّ إيران والسعودية هما أكبر دولتين في المنطقة، وإنهما إذا ما تقاربتا تمكنتا من أن تحكماها كلها. أما إذا اختلفتا فإن أضراراً جمة ستلحق بالطرفين. وتضيف أن لا حجة لعدم مدّ الجسور مع الرياض، وخاصة أن خطوة كهذه لا تكلّف إيران شيئاً سوى أن تؤمن للسعوديين «حصة مرضية من الكعكة». ولا يخفى على أحد أن رفسنجاني، الذي استعاد الكثير من وهجه منذ انتخاب روحاني رغم تقدمه في السن الذي جعل حركته جد بطيئة، يجهد لإعادة العلاقات السعودية ـــ الإيرانية إلى ما كانت عليه أيام كان رئيساً للجمهورية.
استراتيجية روحاني
بات معروفاً أن روحاني بنى حملته الانتخابية على عنوانين رئيسيين: تحسين الوضع الاقتصادي والانفتاح. وبنى رؤيته الرئاسية على ربط هذين الأمرين بعنوان واحد أحد: رفع العقوبات. الفكرة التي طرحها تقوم على الآتي: الهدف تحسين الوضع الاقتصادي. مهمة تحقيقها صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً في ظل العقوبات، التي لا يمكن رفعها من دون اعتماد نهج انفتاحي على العالم. ولعل هذا الربط هو الذي استجلب له ضوءاً أخضر لإطلاق مبادراته تجاه الولايات المتحدة والسعودية، تحت عنوان السماح له بأداء دوره وتحقيق وعوده... الاقتصادية.
حكاية الدعوة السعودية
النقطة المفصلية في قضية زيارة روحاني لمكة، لأداء فريضة الحج، بدأت يوم تنصيبه الذي شارك فيه السفير السعودي السابق لدى طهران محمد الكلابي. يومها وجه الكلابي دعوة علنية للرئيس الإيراني لزيارة السعودية، وكان الجواب الإيراني ضبابياً، على شاكلة «إن شاء الله».
في 15 أيلول، أعلن في طهران أن روحاني، الذي سبق أن وصف السعودية بأنها «شقيقة وصديقة لإيران»، تلقى عبر السفارة السعودية دعوة من الملك عبد الله لأداء مناسك الحج. لم تمض أيام حتى نقلت وسائل الإعلام السعودية عن «مصدر دبلوماسي سعودي» قوله إن روحاني أبلغ الرياض نيته الاستجابة لتلك الدعوة الرسمية.
نقاش صاخب أثير في الأروقة المغلقة في طهران، منذ إطلاق روحاني تصريحاته الإيجابية حيال السعودية وحتى إعلان الخارجية أول من أمس أنه لن يحج هذا العام، بين تيارين أساسيين: الأول، الذي يعبر عن مناخ «المتشددين»، يرى أن أي خرق في جدار العلاقات السعودية ـــ الإيرانية المتوترة لا يمكن أن يحصل في ظل وجود بندر بن سلطان في موقعه. حجة هذا الفريق لا تقوم على التشكيك بنيات الرياض. لكنه يرى في السعودية ثلاثة أجنحة متصارعة في ما بينها: أبناء عبدالله وأبناء نايف وأبناء سلطان، وكل منهم يملك ميليشيا مسلحة: الحرس الوطني، وقوات الداخلية، والجيش. وهو مقتنع بأنه حتى إن كانت نيات الملك سليمة، فإن «جناح بندر بن سلطان» سيجهض أي مبادرة من هذا الطرف أو ذاك.
أما الفريق الثاني، الذي يعبّر عن أجواء فريق روحاني، فيرى أن الاختراق ممكن في حال اعتماد فصل الملفات، على قاعدة بدء المحادثات بالتركيز على الملف اللبناني «الأكثر سهولة»، يليه الملف العراقي فالسوري وهكذا. ولعل الجهود التي بذلها هذا الفريق هي التي شجعت السفير السعودي في لبنان، علي عواض العسيري، على القيام بحركاته التصالحية والتي نشرت أجواء استنتج البعض منها إمكانية عودة قريبة للرئيس سعد الحريري إلى الحكم.
لا حج ولا حوار
تصريحات روحاني يوم أمس كانت لافتة في دلالاتها. تعكس كل ما سبق من مناخ وأجواء. كان واضحاً أنه يقدم مطالعة دفاعية عما فعل. عدد فوائد انفتاحه على واشنطن، وقال إنه يعتزم اتخاذ خطوات إضافية وربما أكبر لرفع العقوبات. كما أكد الطلب الأميركي منه خمس مرات لقاء أوباما. لكنه كان مضطراً إلى الإقرار بأن «قضية إيران وأميركا ليست بالقضية التي يمكن حلها خلال فترة قصيرة».
أصل ظهوره أمام البرلمان ليشرح ملابسات زيارته للولايات المتحدة وذاك الاتصال، في حد ذاتها، تعكس في جزء منها الأجواء التي صاحبتها. هي الأجواء نفسها التي أملت التراجع عن زيارة السعودية. اقتنع أخيراً، على ما يبدو، بأنه كان سيقدم «قبلة مجانية» للرياض، من دون أفق لتهدئة، من لوازمها قرار ملكي بإقصاء بندر من منصبه.
3 تعليق
التعليقات
-
ايران تحاور من في السعوديةوالله العظيم نكتة العصر . ليش اذا ذهب الشيخ روحاني الى السعودية , يا ترى من سيقابل ؟ هل الملك عبد الله قادر على ذلك وهو غائب عن الحضور . لا يدري ماذا يدور من حوله . همه كيف يجلس على الكرسي بعدما قرفت منه . والثاني ولي العهد لا قدرة له ان يواجه اي من متعب او بندر او ابن نايف . وهؤلاء الثلاثة هم في صراع على الكرسي . تراهم يتنافسون من سيكسب ود امريكا لكي تنصبه ملكا كما صنع امير قطر السابق مع والده , حيث نسق الامر مع الامريكان واسرائيل ( شمعون بيريز بالاخص ) واخذ مكان والده . هذه نبذة عن حكام الخليج وهو لا يختلف عن حكام الاندلس . سبحان الله . هذا هو اسلام العربان , وقالت الاعراب امنا ..... ولاعراب شد كفرا ونفاقا ........... وكفى
-
كبش فداء• سقا الله أيام كانت سورية تلعب دور الوسيط بين إيران والسعودية ، تقرب بينهما لتحقيق التفاهم • هذا الدور لطالما طمئن آل سعود على بقائهم واستقرار حكمهم أكثر من وجود القواعد الأمريكية لديهم • روحاني لم يذهب للحج لأن الحج هذا العام أتى باكراً قبل أن ينضج التفاهم الدولي لتسوية الأزمة السورية • الحوار بين السعودي والإيراني له ثلاثة أقانيم : لبنان والعراق وسورية وهي مرتبطة ببعضها • السعودي يريد من لقاء روحاني المساومة وليس التفاوض أو الحوار • راهن السعودي على تغيير الموقف الروسي فكانت مناورة بندر بن سلطان لكنه عاد من روسيا فارغ اليدين • السعودي مرتبك جداً لم يعد عنده وقت لذلك يستخدم سياسة الهروب إلى الأمام ويلعب بالوقت الضائع • يريد السعودي من الإيراني النأي بالنفس عن سورية الأسد وله ما يريد في الملفات الأخرى • دعوة روحاني للحج لحشره بالوقت لأنه من غير المعقول أن يحج الشيخ بعد أن يكون الناس قد رجعوا • فهم الإيراني الموضوعي للمسألة يجعله غير متسرع وغير متساهل رغم انفتاحه واستجابته على أي مبادرة • إن حان وقت الحج فإن وقت الحوار لم يحن بعد فالسعودي ما زال يناور • روحاني لم يكتب له الحج هذا العام ، وربما يجزيه الله خيراً أكبر بدعاء الاستخارة • رمى السعودي ورقته الأخيرة لينقذ ما يمكن إنقاذه ، لكنه إن لم ينسحب بشكل هادئ فسيخسر كثيراً • تعصب السعودية بموقفها سيؤدي بها إلى الإحباط إن عاجلاً أم آجلاً • إذا تمت التسوية ستقدم السعودية بندر كبش فداء بسبب سياسة القطيع التي تنتهجها ، ربما في عيد الأضحى
-
يطعم السعودية الحج وايران راجعةحين تتحدث ايران مع اميركا لا يعود هناك ضرورة للحديث مع السعودية او زيارتها. وان قررت ايران ان تصالح اميركا فذلك سيكون حسب شروط ايران ومن موقع الند للند ومن يحتاج السعودية عندها؟ ال سعود وباقي الاسر التي تحكم الخليج العربي يبرطعون كاي خادم مطيع يأمل انه ان بالغ في تنفيذ تعليمات السيد الاميركي فانه سيحافظ على حكمه فقط لا غير. ولكن لا شئ ياتي من تلك العلاقة مع اميركا للوطن او الامة. ايران قد تصالح اميركا ولكن اولا واخيرا من منظور مصلحة ايران. وهذه المقاربة للحكم هو ما ليس موجود عند عرب الخليج. الاسر الحاكمة تقدم الملوك واميركا تضمن الاستقرار وشعب اميركا يقطف الثمار من بترول وغاز ونفوذ. في ايران هناك نظام يخدم الامة. اماعند العرب فهناك ملوك وقمع وفضائح. تكفي فضيحة انه بعد قرن من عائدات النفط ما زال الملك السعودي يذهب الى نيويورك للعلاج. لا يوجد مستشفى في السعودية لديه الكفاءة لان يعالج الملك المفدى. اظن ان اي رئيس ايراني يفضل ان يموت من المرض في بلده ولا ان يطلب العلاج في الخارج. مبروك لايران تفوقها وليبق العرب حيث ينتمون في مؤخرة الدول كلها. ولو كان للعرب قيمة بعد كل ما قدموه لاميركا من خدمات ومن لحم ودم شعوبهم ولو كانت اميركا تقدر ادنى تقدير ولاء ملوك العرب الاعمى لها لكانت قد سايرتهم واسمت الخليج بالاسم الذي يستعملونه اي الخليج العربي. ولكن المكاسب تؤخذ اخذا لا تستجدى وهكذا وبرغم الصراع الدامي والطويل مع ايران كان وما زال وسيبقى اسم الخليج عند الاميركي هو الخليج الفارسي ويروح ملوك الخليج العربي يبلطوا البحر.