منذ بداية أزمة اللبنانيين في ساحل العاج، راوحت المواقف والأفعال، رسمياً وشعبياً، بين اتهام بالتقصير وتقاذف للمسؤوليات. ولم يخلُ الأمر من المزايدات السياسية، وبدل أن يكون موضع اهتمام الجميع، صار فرصة لتسجيل نقاط في السياسة، استدعت ردوداً تستنكر «كلام الحق الذي يراد به الباطل». ويتلخص هذا الكلام بأن الدولة اللبنانية بدت عاجزة أمام هذه المأساة التي كانت تتدحرج ككرة نار، لا ككرة ثلج، وبالتالي كان الاقتراب من هذه المأساة في بداياتها يحرق أصحاب النيات، حتى الحسنة منها، فلم يجرؤ مسؤول لبناني ـــــ بدءاً من السفير المعني مباشرة بالقضية ـــــ على التفوه بمفردة «إجلاء الرعايا»، ثم أصبحت دوامة العنف تأكل كل ما يقع في طريقها من أرزاق وممتلكات تقدر بمليارات الدولارات.
وأفاد مصدر في وزارة الخارجية اللبنانية لـ«الأخبار» بوجود خطة معدة سلفاً لإجلاء الرعايا (حال طبعاً دون تنفيذها التدهور السريع للأمور بعد لجوء قائد الجيش إلى سفارة جنوب أفريقيا). وتقضي الخطة بإجراء عمليات إجلاء واسعة للبنانيين، بالتعاون مع القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة، كل حسب مكان إقامته، فـ«سكان أبيدجان إلى المطار أو الثكنات الفرنسية القريبة، حتى يتسنى نقلهم إلى لبنان لاحقاً»، كذلك «يُجلى الرعايا الموجودون في الأطراف في سان بيدرو ودلوا وغيرهما إلى الدول القريبة، كغانا وليبيريا ونيجيريا وغيرها». إلا أن تدهور الوضع الأمني في الأيام القليلة الماضية لم يسمح بالوصول إلى المطار، نتيجة خطورة الوضع على الطريق المؤدية إليه، حتى لأولئك الذين لا يبعدون سوى بضع مئات من الأمتار عن المطار. إلا أنه في المقابل، لم يسجل إجلاء أي لبناني خارج الحدود إلى الدول المجاورة، وخصوصاً أن اللبنانيين شكوا من تقاعس قوات الأمم المتحدة والقوات الفرنسية عن نجدتهم، مع العلم بأنه نُقل مئات اللبنانيين إلى ثكنة فرنسية في محيط المطار. وجاء تكوين وزارة الخارجية لخلية أزمة «متأخراً وغير مجد بعد التدهور الخطير الذي شهدته البلاد»، كما يرى أحمد عقل، وكذلك «التعهد بإجلائنا على نفقة الحكومة اللبنانية، بعد فوات الأوان». وهو إذ يثني على التحرك النيابي والشعبي الذي بدأت تشهده العاصمة بيروت، يسجل عتبه الشديد على نواب حزب الله وحركة أمل، الذين لا يوفرون مناسبة إلا يقصدون فيها ساحل العاج، «ويبدو أن هذا النشاط لم يكن إلا جزءاً من البيزنس، فيا عيب الشوم». لكن للتريث أو اللامبالاة تجاه موضوع الإجلاء أوجه خفية، تكشف حالة وائل المصري عن بعضها؛ فهو أرسل عائلته منذ شهرين إلى لبنان خلال الأزمة، إلا أنها عادت «لأنهم يفضلون الموت في أبيدجان على العيش في لبنان، حيث لا بيت ولا من يحزنون. هذه البلاد هي كل شيء بالنسبة إلينا». ويروي وائل لـ«الأخبار» عن بعض اللبنانيين الذين هاجروا إلى ساحل العاج منذ زمن بعيد قولهم: «لو هبطت الطائرة على سطح منزلي فلن أغادر». إلا أن هذا الارتباط غير نابع من شعور بالانتماء برأي كمال بدير، الذي ولد في ساحل العاج وعاش فيها أكثر من ثلاثين عاماً، «لأنك مهما كان ستظل في هذه البلاد غريباً». إلا أن الرحيل إلى لبنان هو رحلة إلى المجهول بالنسبة إليه، فيما رفض راضي محسن مغادرة منطقة عمله في سان بيدرو حيث يعمل موظفاً في إحدى الشركات «لأن هناك من ائتمنني على رزقه». ومثل راضي مئات أو ربما آلاف، رفضوا الإجلاء، مؤثرين البقاء، على أمل جلاء الأمور. ووجه كثيرون أصابع الاتهام إلى تجار كبار بعينهم، وحمّلوهم مسؤولية «النقمة» على اللبنانيين، من خلال علاقاتهم المشبوهة مع بعض أطراف النظام السابق، وخصوصاً ما يُحكى عن شراكة تجمع أحد أبرز هؤلاء بزوجة الرئيس لوران غباغبو. ويؤكد علي منتش أن مشاركة السفير اللبناني علي عجمي في حفل التنصيب الذي دعا إليه الأخير، كان له الأثر السلبي في تكريس واقع أن اللبنانيين أصلاً منسجمون مع الوضع القائم في البلاد، وهو يرى أن السفير تصرف وفق ما يقتضيه سياق العلاقة مع السلطة القائمة.
ويتهم حسن مطر إسرائيل والموساد بمحاولة ضرب المصالح اللبنانية المنافسة بقوة في بلاد الكاكاو، مع الإشارة إلى تلميح عدد ممن تحدثنا معهم إلى روابط يهودية عائلية (زوجته الفرنسية) للرئيس المنتخب الحسن وتارا، راكباً موجة إطاحة غباغبو «ضمن تقاطع مصالح أميركية فرنسية، في وجه تمدد مصالح روسية ـــــ صينية تتوسله رئيساً»، كما يعبّر نزيه سليم.
لكن يبقى السؤال الأهم في نظر سليم هو: «ماذا فعلت الدولة اللبنانية لتنظيم شؤون الاغتراب اللبناني؛ إذ لا يكفي القول إن اللبنانيين في بلاد الاغتراب لا يتدخلون في شؤون هذه البلدان، ولا يضطلعون بأي دور سياسي، فيما الحقيقة هي خلاف ذلك على الإطلاق؛ إذ يحرص عدد من كبار تجارنا على تثبيت علاقتهم بالرئيس والحرص على الظهور الإعلامي معه، على شاشات التلفزة». ويعقب بأن «هذه الأدوار هي مزيج من النفوذ السياسي والاقتصادي، الذي يشجعه جشع محلي سلطوي، متلهف للسلطة والمال معاً». ويبدو «أن الذين يدفعون الثمن هم من لا ناقة لهم ولا جمل في ألعاب الكبار، وهم صغار الموظفين والتجار أمثالنا، فيما يجد أصحاب النفوذ الوقت والوسيلة للاحتماء أو المغادرة حتى انجلاء الغبار، والعودة إلى ممارسة نشاطهم «الساحر» لأهل السلطة في هذه البلاد، وتتولى حماية شركاتهم جيوش من الأمن الخاص». تتبدل الأسماء، لكن النتيجة واحدة. ولعل ما يلخص حال الجالية اللبنانية في ساحل العاج، مطالبة أحد أبنائها بـ«عدم الاستنجاد بدولة لا تسأل بالمواطنين على أراضيها، فكيف بالمهاجرين خارج الوطن. كفوا عن هذا الاستجداء. ماذا تفعل لكم دولة لا تلتفت إلى مواطنيها؟ كان عليكم بإمكانياتكم الضخمة أن تكونوا أكثر استعداداً. وكفى».
8 تعليق
التعليقات
-
خيبتلي أملي استاذ نهال . . .خيبتلي أملي استاذ نهال . . .
-
توضيحاخ احمد معق حق لكن ما تجهله اولا انه منذ الشهرين تم ارسال اكثر من 5000 الاف شخص من البلاد ف بعمليه بسيطه جدا تستطيع ان تتوصل الى نتيجه كم طائرة نقلت هذا الكم من الناس خصوصا انه الطائرة لا تقلع من لبنان قبل ان تتاكد من وجود نصف الركاب في نيجيريا وذالك للتزود بالوقود يعني كل طائرة لا تنقل اكثر من 100 مواطن من ساحل العاج ثانيا من اكثر من شهرين المصارف مغلقه واموال الناس بداخلها اذا ليس هناك ما يكفي من سيوله بين ايدي الناس هنا ومن هذا المنطلقتم انشاء صفحة على الفيسبوك فقط لتخفيض الاسعار وليس الغائها كي تتمكن العائلات من النزول بما تيسر لديها من اموال ولكن جاء الجواب من محمد الحوت انه في كل رحله الى ابيدجان تخسر شركة الطيران 50000 دولار حسب علمي انه كل ساعة تكلف 5000 دولار اي الرحله الى لاغوس نيجيريا بكلفة7 ساعات اي 35000 الف دولار ومن لاكوس الى غانا 1ساعه يعني 5000 والى ابيدجان ساعة ايضا 5000 اي رحلة الذهاب الى ابيدجان هي 5000 دولار ذهابا فكيف تخسر الشركه
-
أحسن نبقى في أفريقيا نموت من نروح لبنان ننزلأحسن نبقى في أفريقيا نموت من نروح لبنان ننزل
-
ساحل العاج , تعاني مشاكلساحل العاج , تعاني مشاكل سياسية وصراعات دينية و قبلية منذ عقود , وما يحدث الأن كان متوقعا منذ ما قبل الأنتخابات الرئاسية التي جرت في 31 ت1 2010. يعني الأمر لم يكن مفاجئة. والعديد من افراد الجالية ارسلوا عائلتهم الى لبنان تحسبا" لهذا الموقف. شريحة كبيرة من المغتربين لا تسمح لها امكانياتها المادية شراء تذاكر سفر .أو تأمين مصاريف العيش في لبنان. شو ممكن تعمل الحكومة اللبنانية ؟ مشكلة أخرى بسبب السلاح الغير شرعي ؟؟؟؟ أشرب شايز
-
ايها اللبنانييا ايها اللبناني عليك الاعتماد على نفسك ..... متل العادة
-
نعم ولكن ...هناك امر غريب فعلا في هذه المسألة وهي تتعلق بعدم رحيل اللبنانيين قبل الان . من هنا انا اطرح عليهم سؤالا.. الوضع الامني في ساحل العاج سيء منذ اشهر، ولا مدارس ولا جامعات، يوم تفتح عشرة لا، لماذا لم يتم على الاقل ارسال العائلات الى لبنان في حال اراد اصحاب المصالح من الرجال البقاء. الغريب انهم ادرى بكيف ينقلب الوضع فجأة ومع ذلك من جاء الى لبنان خلال الشهرين الماضيين قلة قليلة . هذا سؤال لكم. الحكومة مقصرة نعم مقصرة، لكن جزء من اللوم يقع عليكم ايضا لانكم لم تفكروا بطريقة منطقية وترسلوا عائلاتكم الى لبنان حين كانت الامور "اسهل ". نتمنى الا يصيب اي لبنان او اي مغترب بشكل عام اي مكروه، وعلى امل ان يكون وعي المغتربين اكبر في الحرب المقبلة في ساحل العاج..لانه منطقة صراع مستمرة . تعلموا يا جماعة .
-
نواب حزب الله و حركة أمل: "البيزنس" في ساحل العاج, فيا عيب الشومتشكل أزمة ساحل العاج ضربة موجعة لحركة أمل و حزب الله حيث اكثر من ٩٥ ٪ من أفراد الجالية اللبنانية في هذا البلد الأفريقي هم من أبناء الجنوب و ينتمون بغالبيتهم إلى الطائفة الشيعية . و ما زاد من الطين بلة هو تصرف السفير اللبناني (بناء على توجيهات من علي الشامي المحسوب بدوره على نبيه بري) الذي كان السفير الوحيد الذي حضر حفل تنصيب غباغبو بالإضافة إلى سفير أنجولا... وقد ولد هذا التصرف الغير موزون من قبل سفير لبنان جواً من المعاداة للبنانيين تماماً كما حدث فالبحرين أيضاً. أما نواب حركة أمل و حزب الله فلم يعودوا يبالون بأوضاع اللبنانيين الشيعة و بفضل رئيسي الجمهورية و الحكومة، سعد الحريري، اللذان يتابعون أودع اللبنانيين هناك و قد طلبوا المساعدة من الحكومة الفرنسية لاجلاء الرعايا اللبنانين.
-
من ساحل العاجسلام الله عليكم تعودنا في ساحل العاج أن نكون أيتام بلا راعي ولكن بكل أسف كان الجميع يتذكرنا أيام الرخاء لجمع التبرعات أو من اجل الانتخابات ولكن الان اصبحنا منسيين قبحاً للدولة التي تبحث عن ذل شعبها بتهجمها على المقاومة والاصرار على سحب سلاحها ولا تحرك ساكناً لسحب 120 ألف لبناني من خطر الموت نشكر جريدة الأخبار على الاهتمام