هذه الفترة التاريخية لم يتم بحثها على النحو الذي تستحقّه والدور الذي أدته في تثبيت كيان العدو الصهيوني الاستيطاني - الاستعماري، كما لم يتم التطرق في مؤلفات التاريخ ذات الصلة إلى دور حكّام عرب في تأسيس ذلك الكيان العدواني.
حياة اليهود العرب في أوطانهم لم تتم دراستها، وتبدو تلك المرحلة كأنها صفحة مجهولة من تاريخ بلادنا. لكن كتاب «عندما كنَّا عرباً: تاريخ منسيّ لعائلة يهودية» (ذا نيو بريس ــــ 2019) لمسعود هيون، يتعامل مع بعض جوانب تلك الحياة على لسان أحد أبناء يهود مصر أي المؤلّف. تكمن أهميته الإضافية في كون مسعود هيون يدحض التزييف الصهيوني لحقائق تلك المرحلة ودورها في تحريضهم على مغادرة أوطانهم إلى الكيان الصهيوني الاستعماري-الاستيطاني. ونترك للكاتب وصف بعض جوانب تلك الحياة، إذ يقول: «أنا عربي يهودي. في ظن كثيرين أنا فضول أو أمر مزعج. بعضهم يدّعي أنني غير موجود، أو إذا كنتُ وجدت في الماضي، فإني لم أعد كذلك. أنا أرفض هذه الأفكار. رفضي يتطلب أن أرسم لك عالماً ضائعاً لإثبات وجودنا. للأسف إن العديد من الوجوه والأصوات والمزاجات في الأيام الأخيرة من أيامنا العائلية في عالم أجدادي، قد ولّت بالكامل. في أذهان العديد من العرب من غير اليهود الذين يتذكروننا بإعجاب، يتم الحفاظ علينا في السينما في الحقبة الاستعمارية، أي ما يسمّى بالعصر الذهبي للسينما المصرية التي ازدهرت من أربعينيات القرن الماضي إلى ستينياته. إن جيل أجدادي الظاهر في تلك الأفلام القديمة يقطر بالشِّعر والنعمة. تلك الأفلام التي كان بعض أبطالها من الممثلين والمطربين اليهود العرب، لكنها لم تكن عنهم، بل عن مجتمع كنا فيه بلا شك. نحن نذكِّر فيها بالعالمية والتعددية والإذلال الاستعماري في ذلك الوقت، تلك الأوقات التي ارتُديت فيها البدل المكوية والطرابيش، وكنا نغني فيها لنعبر عن معاناتنا بينما كنا نسير على شاطئ نهر النيل. ربما نحن محاصرون في العصر الذهبي السينمائي أو التاريخي. ربما، نحن اليهود العرب، لم يعد لنا وجود في الوقت الحقيقي. في منزل أجدادي في لوس أنجلوس، ترعرعت على ذكريات بعضها تلاشى أكثر من غيرها، لعالم ضائع ظلّ قائماً طالما أننا لا نستطيع أن نتذكر أن ينتهي إلا فجأة في جيل أجدادي.
في أذهان العرب من غير اليهود، يتذكروننا بإعجاب في السينما المصرية
كانت عربية لغة أجدادي، التي حاول جدي أن يعلمني إياها كلّ صيف على طاولة المطبخ، هي العربية العامية لتلك الأفلام. في بعض النواحي، نشارك تجربة العديد من المهاجرين الأميركيين الآخرين، وغالباً ما تعود رؤوسنا نحو الماضي البعيد. في أيام السبت، شاهدنا التلفزيون الأميركي العربي للموسيقى لمدة ساعة على قناة أجنبية. تلك كانت فتحة نطل عبرها إلى ماضينا، لكن وجدت ضرورة لإنعاشها دوماً. الرجل الأرمني اللبناني في غليندال الذي اشترينا منه الأقراص المدمجة قال إن نجم البوب المصري عمرو دياب ونجمة البوب اللبنانية نوال الزغبي قد أتيا بالفعل إلى هنا. كان يعرف أفضل مما كنا نعرف. على عكس صاحب المتجر، لم نعد بانتظام إلى أوطاننا. كان المنفى حقيقة واقعة. لأنني ترعرعت من قبل أجدادي الأم، ديدا وأوسكار، وأنا متعنّتٌ مثلهم، فإن غريزتي هي دحض لا لبس فيه الاقتراح بأنني من الماضي، بأني ميت. سواء كان هذا صحيحاً أم لا، فإن هذا الكتاب يهدف إلى بث الحياة في أجدادي والتعبير عن آرائهم، التي تجسّدت تجسيدات متعددة من تفوق الإمبريالية البيضاء وتم تشويهها إلى غايات سياسية في كثير من المنعطفات. يعدّ هذا المؤلف أيضاً رفضاً تاماً للعاطفة، كما هو واضح، التي تضع العرب اليهود في الماضي المتخيّل لأفلامنا الكلاسيكية الممتعة والمرة. من المفارقات إذن أن تكون هذه الأفلام نفسها من بين الأفلام الصغيرة التي تركت لعائلتي بعدما غادرنا منازلنا وأصبحت لا غنى عنها لنا في نضالنا لتذكّر من نحن».
* When We Were Arabs: A Jewish Family’s Forgotten History – The New Press