يعدّ الكاتب أن هذا النظام اللغوي الأبجدي الجذري «قائم على قانون توازن التناقض وأن الأبجدية تنسجم وفق نسق ترتيب حروفها مع جدل نشأة الكون، وأن جدل الحرف قائم في مسمَّاه، وهو لبنة الكَلِم، وأن الحركات هي لواصق تشكيل الكَلِم في حركة الفعل بين الزمان والمكان والحالة، وبين الكم والكيف».
وقد خصّص الكاتب في مؤلفه فصلاً لكل لسان من الألسن الاثني عشر ولهجاتها تناول في كلّ منها مواطنها ورموزها الكتابية، مقيماً ملامحها اللغوية وتواصلها الحضاري ومعايناً صلات القربى بالشقيقات السالفة لها.
نظر الكاتب في ما آلت إليه حال اللغة من تشرذم ومتستر بلهجات ولهيجات، فاجتهد لإماطة اللثام عمّا خفي وجُهِل من حقائق لغوية بعدما أوصلت بحوثه السابقة إلى ارتباط جدل اللغة بجدل الكون، وكشف بذلك عن نظام يحكم بنيان لغتنا، ما مكّنه من الإطلال على تراث أسرة الألسن الشقيقة وتبيان الأواصر الحضارية والثقافية والدينية، آملاً أن يسهم هذا النظام في استرداد كياننا الممزق وفق ثوابت هي:
- نظام محكوم لجدلية توازن التناقض في بنيته اللفظية وفي لغة التفكير والتفكير باللغة.
- نظام عناصره الكيماوية هي حروف الأبجدية الثماني والعشرون التي هي لبِنات بناء اللغة.
- حروف العلة والحركات تمثل روابط بنائية تدلّ على التوجه الحركي والجدلي والقصدي.
- نظام يصوغ الكَلِم اسماً وفعلاً وحرفاً مؤلِّفاً ومُآلفاً بين الحروف والحركات.
- نظام قادر على محاكاة لغة التفكير لجدل الكون، ومتابعة قراءة آيات الوجود.
- نظام يفصح عن المكنون بلسان عربي مبين.
دعا إلى تشكيل مجموعات من علماء اللغة لفك رموز الكتابات القديمة
أثبت الكاتب عبر قراءاته أن ليس في اللغات الجذرية سوى نظام لغوي واحد يتفاعل بألسن متعدّدة وبلهجات ولهيجات محلية، وبالتالي إن لهذا النظام اللغوي القدرة على التواصل أفقياً مع الناس وعمودياً بين الأرض والسماوات بأن وضع الموازين المادية والاجتماعية والدينية وسنّ الشرائع والقوانين والنظم السياسية، ودلّ على أن لهذه الأرض فصحها وأن «أرض كنعان» حقيقة حضارية انبثق منها كل ما توصل إليه الإنسان القديم من علوم، صاغها فكرُه في قوالب هذا النظام المحكم.
قسم عاصم المصري مؤلفه إلى ثلاثة أبواب هي:
1) «الألسن الشقيقة» وبحث عبر فصلين مواطنها الأصلية والهجرات وأزمنتها ومنافذها وكذلك بالكتابة ورموزها ونشأتها ومراحل تطورها.
2) «سمات الألسن الشقيقة» مخصصاً لكل منها فصلاً تناول فيه مواطنها ورموزها الكتابية ومعايناً صلات القربى بالشقيقات التي سبقتها.
3) «أصول الكَلِم أو الصيغ» عالج في فصوله السبعة مدى مقاربة الألسن الشقيقة مع قواعد النظام اللغوي الفصيح بدءاً من بنية الكلمة والحركات، مروراً بحروف المعاني والظروف وأسماء الإشارة والضمائر والأعداد وصيغ جموع المذكر والمؤنث والثنائي توصلاً لآلية الاشتقاق.
لم يقصد الكاتب بمؤلفه هذا وما سبقه في الموضوع نفسه، بحثاً لغوياً مجرّداً. إذ نرى أنه أنهى مؤلفه الجديد بالقول: «إن تراثنا يستصرخ أبناءه لأخذ المبادرة في التحقق مما أتى عليه المستشرقون بإعادة قراءته بعيون عربية وبلسان مبين، وكي لا تبقى وجهة نظر فردية، يتمنى أن يُصار إلى تشكيل مجموعات من علماء اللغة تعمل معاً على فك رموز الكتابات القديمة توصُّلاً لرأي موحد، فلا يبقى إرثنا وجهات نظر متباينة ومشرذمة».
عاصم المصري: «النظام اللغوي والألسن الشقيقة» (الفرات، الوراق، بيروت 2019. 362 صفحة)