تنطوي فكرة روعة سنبل على استقطاب قصص قصيرة بثيمات يقترحها أصدقاء الصفحة تحت بند «نكتب لننجو» على غرار ما فعله بوكاشيو زمن الطاعون، عبر توزيع «الليالي العشر» على رواة العزلة الذين واجهوا الوباء بفتنة الحكاية. بالنسبة إلى الحكّائين العرب الذين ساهموا في هذا المشروع، كان على أحدهم أن يقترح مفردة ما، فيما على الآخرين الاشتغال عليها، ليس في ما يتعلّق بالوباء مباشرة، إنّما لمواجهة قلق تلك الليالي المخيفة والانتصار على الوحشة بالكتابة.
خلال نحو ثلاثة أشهر، استقطبت الصفحة 47 قصة قصيرة، بينها قصص مترجمة، وأخرى منشورة قبلاً، بتواقيع غابرييل غارسيا ماركيز، وهوراكي موراكامي، وأرنست همنغواي، وخوان خوسيه ميّاس، ويوسف إدريس، وزكريا تامر، وجميل حتمل، بالإضافة إلى قراءات نقدية للقصص المشاركة أنجزتها فدوى العبود. اتكأت القصص على خمس ثيمات أساسية هي «المرايا»، و«القطارات»، و«الحبال»، و«الفقاعة»، و«الأحلام». هكذا استجاب عشرات الكتّاب العرب للفكرة، أبرزهم: طارق إمام، وزهير كريم، وجعفر العقيلي، وشريف صالح، وزياد خدّاش، وليلى عبد الله، وسعد هادي، ومروة ملحم، ونهى حسين، وزكريا عبد الجواد. تعلّق فدوى العبود على قصص «المرايا» بقولها: «الذين يسألون المرآة هم برتبة جنرالات مهزومين، أو مارشالات حب مخذولين. إنه سؤال الذات لذاتها التي تتصدّع». لن نجد قصصاً مكتوبة في زمن الوباء إلّا في ما ندر، فالمهمّ هنا، الإنصات إلى الحكاية بصرف النظر عن تاريخ كتابتها، والالتفاف حول الراوي وشجونه كنوع من مقاومة العزلة، وإدارة الظهر لأوقات الفزع. إلّا أن ثيمة مثل «الحبل» تستدعي أوقاتاً حرجة، ففي قصة «الحب في زمن الكورونا» لفادي شمّاس، سينتهي الراوي بالانتحار، وكذلك الأمر في قصة «زورق على وجه الماء يحترق» لرأفت حكمت، إذ ينتحر أحد عمّال المرفأ بحبل القارب، بينما يعمل الحبل لدى العراقي زهير كريم على ربط أسرى الحرب في رتلٍ واحد أو يقيّدون بربط اليدين للخلف، وترتطم رسائل الأسير التي كانت من حبال حرير بشراسة الغياب، وتتحول الجديلة لدى روعة سنبل إلى حبل خلاص عن طريق الانتحار... كأن الحكّاء العربي لا يستطيع الإفلات من رواية الفجيعة، والموت، وهزائم الذات، على عكس حكايات بوكاشيو التي تتلمس أسباب التسلية ومقاومة الضجر، وإيقاظ الحواس. في ثيمة «الفقاعة»، يجد الحكّائون هنا مجالاً حيوياً لمعنى «التلاشي والزوال والانطفاء». لحظات من البهجة العابرة التي تنتهي بكارثة، أو طعنة في الصدر، أو فقدان، أو هلاك.
في «الحب في زمن الكورونا» لفادي شمّاس، سينتهي الراوي بالانتحار
ذلك أنّ «جماليات أحلام اليقظة» تعبر خطفاً لتضع هذه الشخصية أو تلك أمام فجاجة أسباب العيش «حين استقرت أقدامنا فوق الأرض، أدركنا أن هناك ما بتنا نفتقده» (زكريا عبد الجواد- داخل شرنقة). من ضفةٍ أخرى، تحضر «الأحلام» بجرعات متفاوتة في الجموح، إلّا أنها غالباً ما تنتهي على هيئة كوابيس وفجائع وانتكاسات: «انزلقت مروحية من فوق رأسي، بدنها المعدني أُصيب بقذيفة مباشرة.. النار تندلع في كل جزء منها بصورة رهيبة. أخذت تدور حول نفسها بسرعة فائقة كذراع طاحونة مجنونة، قبل أن ترتطم بالإسفلت المتصدع للشارع المحاذي لمنزلي وتبعثرت أجزاؤها بصورة أليمة في الفراغ المظلم» (نبأ حسن مسلم- هبوط اضطراري). كانت شهرزاد «ألف ليلة وليلة» تروي حكاياتها على بعد أمتار من السيّاف لتأجيل موتٍ محقّق، وههنا محاولة موازية للنجاة من الوباء، فنسيان المرض أولى علامات الشفاء. الكتابة علاج ناجع. لنحتلّ إذاً، مقعد الحكواتي ونروي ما يؤجّل موتنا.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا